غرب أفريقيا تسعف المرضى تقنيا

بانوراما 2019/06/02
...

تشوما اسوزو
ترجمة: بهاء سلمان
بحثت سيارات الإسعاف، مطلقة صفاراتها المدوّية، عن مصابين مدنيين أثناء الاعتداء الإرهابي على جسر لندن سنة 2017، لكن العديد من المصابين اختفوا من الشوارع وصعب بالتالي ايجادهم. ولو قدرنا إن كان الحادث قد حصل في أكرا عاصمة غانا، بدلا من العاصمة البريطانية، كان من المرجح أن تملك سيارات الإسعاف وقتا أسهل بكثير، ويعود سبب ذلك أنها تملك أيضا تطبيقا جديدا لضمان توفير إرشاد محكم لخدمات الطوارئ خلال لحظات الأزمة، مع إن غانا لا تملك نظام عناوين بريدية دقيق بشكل ملحوظ.
خدمات انسانية
وتوفر خدمة سنوكود (snooCODE)، المطوّرة من قبل رجل الأعمال المصرفي الغاني السابق «سيسنام داغادو»، البالغ عمره 32 سنة، توفر رموز موقعية حين الطلب، مع درجة من الدقة تصل الى 25 سنتميتر، متيحة لخدمات الطوارئ الوصول الى الشخص بلا قلق من علامات أو عناوين الشارع غير الصحيحة أو الناقصة، حيث يحمّل المستخدمون لتطبيق الخدمة وينشئون رمزا رقميا سداسيا يعرّف موقعهم الحالي بالضبط. في لندن، لربما كان هذا التطبيق قد ساعد المسعفين الطبيين على الوصول الى المصابين والمرضى المفعّلين لهذا التطبيق أينما كانوا مختبئين. يمثل هذا التطبيق واحدا من عدد متزايد من التطبيقات المنتجة حديثا التي تحوّل منطقة غرب أفريقيا، أحد أكثر مناطق العالم فقرا، الى حاضنة محتملة للابتكارات التي تغيّر واقع العناية الطبية لحالات الطوارئ في المنطقة، وبشكل بطيء، لما هو أكثر من ذلك.
ويتيح جهاز «وسادة القلب»، وهي عدة لقياس تخطيط القلب الكهربائي تم اطلاقها بشكل تجاري في الكاميرون سنة 2016، للأطباء الممارسين المحليين اجراء فحوصات للقلب وارسالها الكترونيا الى اختصاصيين على مسافات بعيدة ليتمكنوا بسرعة من تحليل النتائج واعطاء الرد مع التشخيص. وكان الجهاز قد انتشر مسبقا في الغابون وكينيا، وكذلك وصل الى النيبال، الباعدة خمسة آلاف ميل. وكان جهاز داغادو، الموزع من قبل خدمات الاسعاف الوطني الغاني منذ 2013، قد شهد تحسنات بنسبة ستين بالمئة بوقت الخدمة، من 28 دقيقة الى 12 فقط.
ويؤسس كل من مشروع «صحة الهليوم»، الذي أطلق سنة 2015 داخل نيجيريا، ومشروع «كيا ميديكالز»، المطلق لصالح دولة بنين سنة 2017، برامج لسجلات صحية الكترونية تساعد المستشفيات والمرضى للوصول الى السجلات الطبية بشكل فوري ضمن مجتمعات لا تزال تشهد تكدسا معتادا لأكوام من ملاحظات الأطباء المكتوبة يدويا داخل العيادات. وتلقى صحة الهليوم تمويلا بلغ 170 ألف دولار لغاية الآن، وخدمته يستفيد منها أكثر من عشرين مستشفى و500 طبيب.
 
مواد منقذة للحياة
بالنسبة للكاميرون، شرعت «ميليسا بيما» 22 سنة، بمصرف للدم عبر الانترنت، أطلق عليه «انفوس»، بحلول كانون الأول 2017. وسلّم البرنامج منذ تأسيسه أكثر من 2300 كيس دم الى 23 مستشفى، معتمدا على سائقي الدراجات النارية. بنفس الوقت، طوّر برنامج «مصرف الحياة»، الذي تأسس سنة 2015 في نيجيريا، فريقا لوجستيا من سائقي الدراجات النارية ومركزا مفتوحا على مدار الساعة يساعد على توصيل الدم والأوكسجين الى المستشفيات المحتاجة أسرع من ذي قبل داخل البلاد. وبعد ثلاث سنوات من بدئه، يقوم البرنامج بإيصال خدماته الى 107 مستشفيات، ودائما خلال 55 دقيقة.
الأمر الذي قاد الى ظهور غرب أفريقيا كمختبر للابتكار في الرعاية الطبية لحالات الطوارئ هو التمهيد لعوامل متعددة، بحسب الخبراء، تبتدئ بحالة وفرة الأعمال التجارية لتقنية البرامجيات عبر المنطقة، والقارة بأكملها بشكل فعلي؛ فخلال العام الماضي، ارتفعت الاستثمارات بالشركات الناشئة داخل أفريقيا الى أكثر من ثلاثين بالمئة، ليتيح ظهور تقنيات أفضل.
عالميا، تركز الشركات الناشئة على القطاعات المحتاجة بشدة لحل المشاكل المعيقة لأدائها؛ وضمن أفريقيا، وبالذات في غربها، تلاءمت هذه النقطة مع الرعاية الطبية لحالات الطوارئ. وتوصلت دراسة أجراها المعهد الكيني للبحوث الطبية سنة 2018 الى أن 16 دولة فقط من أصل 48 واقعة جنوب الصحراء الكبرى تمتلك أكثر من ثمانين بالمئة من سكانها ميزة الوصول الى أقرب مستشفى برحلة لا تستغرق أكثر من ساعتين. وتعاني تلك الدول أيضا من تدني الضمان الصحي العام، فستين الى سبعين بالمئة من النفقات الصحية يتم دفعها من قبل الأهالي مقارنة بالمعيار العالمي البالغ 46 بالمئة، جاعلة حتى الفحوص الأساسية في المستشفيات مكلفة للكثيرين.
 
مساعدة حقيقية
وتستهدف هذه الشركات الناشئة المشاكل المختلفة داخل نظام طب الطوارئ لغرب أفريقيا. ولكونه طبيبا مقيما ضمن قسم القلبية لمستشفى ياوندي العام سنة 2009، أدرك «آرثر زانغ» امتلاك الكاميرون لـ40 اخصائي قلب فقط لمجموع السكان البالغ آنذاك 19 مليون فرد، الأمر الذي أرغم المواطنين، والكثير منهم من الفقراء، على قطع مئات الأميال لأجل استشارة طبية؛ ما أدى بزانغ لاختراع وسادة القلب: «من الصعب جدا ايجاد جهاز ممتاز لقياس كهربائية القلب أو ضغط الدم في المستشفيات الريفية.»
أما «تيمي توبوسون»، مؤسس مصرف الحياة ورئيسها التنفيذي، فقد بدأ شركته بهدف ابلاغ «المستشفيات عن مكان توفر الدم» لتدرك المستشفيات بسرعة لحاجتها للمزيد: «طلبوا منا توصيل الدم أيضا، بالتالي قلنا بضرورة فعل هذا الأمر بشكل صحيح.» وعندما يتلقون نداء من احد المستشفيات، يحدد البرنامج المركز الأقرب المتوفر لديه الدم والأوكسجين، ليقوم سائقو الدراجات النارية للمركز بتوصيل الطلب الى المستشفى»
ومن الممكن انتقال الحلول التي تقدمها هذه الشركات الناشئة بخصوص حالات الطوارئ الى ما أبعد من غرب أفريقيا بكثير، فوسادة القلب تستخدم منذ فترة في النيبال، كما إن تحديات هزالة علامات الطرق والعناوين غير الدقيقة التي يتعقبها برنامج سنوكود تعد مألوفة لغالبية الدول النامية، وبضمنها مناطق ريفية في الصين والهند. وتأثر داغادو بتفجيرات لندن سنة 2005، وما أعقبها من إفراط بتحميل أنظمة الاتصالات وتأخير خدمات الطوارئ، كما تأثر بزلزال هاييتي المدمر الذي أطاح بشبكة الانترنت هناك، ولذلك صمم خدمة سنوكود كي تعمل بلا اتصال مع الانترنت بمجرد تحميل التطبيق. يقول داغادو: «كان من الواضح احتياجنا لنظام طوارئ لا يعتمد على الانترنت.»
مجلة اوزي الأميركية