التحريض على العنف عبر المقدس

بانوراما 2019/06/02
...

جوشوا سيناي  ترجمة: بهاء سلمان
 
 
 
مع هزيمة انتشار الإرهاب المتطرف دينياً كأولوية أمنية وطنية رئيسة للحكومات في جميع أنحاء العالم، ما هو الدور الفعلي وتأثير النصوص الدينية التي يختارها مثل هؤلاء الإرهابيين لإضفاء الشرعية على عنفهم الشرير؟.
هل إن الإرهابيين، في الواقع، يقلبون ويشوّهون معاني هذه النصوص الدينية العظيمة، مثل القرآن والتوراة والإنجيل، خدمة لمصالح دعاياتهم الخبيثة؟ 
كانت الإجابة على هذه الأسئلة من قبل كتاب المؤلف "شوارتز باركوت"، الموسوم: "أعمال العنف والإرهاب والابادة الجماعية والحرب في الكتب المقدسة وفي العقود القادمة"، وهو عبارة عن فحص نفسي واجتماعي لجميع آيات الكتب المقدسة (اليهودية والمسيحية والإسلامية) التي تصوّر أو تشير الى توظيف العنف الجسدي والحرب ضد هؤلاء المعادين للدين، بالاعتماد على التجربة بحسب توضيح المؤلف.
 
تفسير خطر
ولكونه أكاديميا متطوّعا ألقى محاضرات كثيرة في عدة جامعات بحقل علم الاجتماع، تبوأ باركوت موقعا ممتازا لتفحّص هذه القضايا بطريقة تجريبية واقعية. 
هدف الكتاب، كما يشرح المؤلف، هو "تعميق فهمنا لكيفية وأسباب امكانية توظيف وإساءة استخدام النصوص الواردة في الكتب المقدسة للتأثير في بعض الناس وتحفيزهم باتجاه العنف والارهاب والحرب حاليا وفي السنوات المقبلة، وخصوصا العقود
القليلة القادمة." 
هذه النصوص تثير قلقًا خاصًا لأن المؤلف كتب: "للأسف، ليست جميع هذه الفقرات المشجعة على العنف ضمن الكتب المقدسة واردة بصيغة الماضي. ومن السذاجة والخطر محاولة نبذها بوصفها تمثل مفارقات تأريخية عفا عنها الزمن، أو تم تناولها من دون مراعاة للسياق 
التأريخي. 
في عالمنا المعاصر، كما هو الماضي، يحتاج الأفراد لوضع "السياق التأريخي" بعين الاعتبار إذا ما قرروا محاولة قتل شخص ما بسبب فقرة في أحد الكتب المقدسة؛ تقول "إقتلهم"، أو بسبب أنهم يفسرونها بتلك الطريقة. 
ويضيف المؤلف، أنه عندما يتم "تصوير مثل هذه الدعوات إلى العنف على أنها مبررة"، من المحتمل أن يحدث "التقليل من الحساسية وإزالة الحساسية تجاه العنف" لأن "النتائج إيجابية ومكافأة للأشخاص العنيفين، حيث يتلقى العنف تأكيدا ايجابيا للتصوّرات الموجودة في المواقف الاجتماعية من الأشخاص 
الآخرين ".
ثم يلخص المؤلف بعض الجماعات الإرهابية سيئة السمعة والجهات الفاعلة المنفردة التي ألهمتها مقاطع متطرفة في دياناتها للقيام بهجماتها العنيفة. 
وتشمل هذه الجماعات ذات التوجه المتطرف دينياً الحاخام اليهودي مئير كاهانا زعيم "حركة كاخ"، والإرهابيين المسيحيين مثل "جيش الرب" المتمركز في الولايات المتحدة والممثلين المنفردين مثل إريك رودولف، والجماعات الإرهابية المسلمة مثل القاعدة وداعش، ومرتكبي العنف المنفردين، أمثال نضال حسن وعمر متين.
 
تباين النصوص
وتلا هذا النقاش فحص النصوص الأولية للديانات الثلاثة من حيث أنواع الكلمات والعبارات المكتوبة والمنطوقة التي تبدو عنيفة، والمرجح أنها تحث على الدخول بأعمال عنف جسدية من قبل أناس يقرأونها ويتّبعونها 
حرفيا. 
ويشير المؤلف الى أنه قد وجد أن "القرآن فيه فقرات تصوّر العنف أكثر من التوراة والإنجيل إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار حجم الكتب
المقدسة."
ويتابع المؤلف بالقول إنه وجد "غيابا شبه كامل في الإنجيل للعنف، ما عدا تفاصيل صلب المسيح في الرسائل الإنجيلية لمتي ومرقس ولوقا ويوحنا، إضافة لبعض الصور والأحلام أو الخيالات الداعية الى العنف في الكتاب الأخير بأسفار الكتاب المقدس المكنى "رؤيا يوحنا". 
وفي فصل مثير للاهتمام يتفحّص اكتشافات الخبراء الأكاديميين الرواد لتسخير النصوص الدينية من قبل مقاتلين يرتكبون أعمال عنف، يجد المؤلف أنه "بينما كان المؤلفون مخلصين للغاية، فقد أعطوا القليل جدا من مقترحات عملية مفصّلة، ولم يخبرونا كيف يمكن تفعيل هذه المقترحات لتخفيض مخاطر العنف الديني." 
ولهذا السبب، يقدم المؤلف في الفصل الأخير عشر اجراءات "لمساعدتنا على فك ارتباط العنف بالديانات ونصوصها المقدسة كي تنخفض مخاطر العنف والارهاب والابادة الجماعية والحرب." 
وتشمل هذه الاجراءات خليطا من التوصيات العقلانية والعملية، مثل التأكيد على كون هذه النصوص لا تدعو للعنف، ومراقبة الأفراد والجماعات والمنظمات التي تحرّف آيات الكتب المقدسة كي تبرر أعمال عنفها المتطرّف، والرد عليهم من خلال امكانية
احتجازهم.
أما الكتب الدينية المرتبطة بالنصوص المقدسة، فيوصى بالابتعاد عن التفسيرات المعبرة عن العنف، وعدم طرحها للتداول، ومراقبة الطبعات الجديدة للكتب القديمة، وتبني الكتب الأقل عنفا، وتشجيع المؤلفين على النوع المعتدل من الكتب التي تعمل على الحد من احتمال وقوع أعمال 
عنف.