صناعة السياحة والاستثمار المنتظر

آراء 2024/05/08
...

علي لفتة سعيد

لا أعتقد أن عراقيا زار بلدا سياحيا ولم يطلق حسرة على السياحة في بلده، والتي هي متعددة الأوجه والاتجاهات والتاريخ. بل ويعقد مقارنة لا تنتهي، إلا بأن مقومات السياحة في العراق هي أقوى من أية سياحة في الكثير من دول العالم، ولا اقول العالم الذي فيه سياحات أخرى، يبحث عنها الآخرون في استقطاب الشعوب الأخرى لهم. لكن السياحة في العراق والتي هي تتنوع إلى سياحة دينية، ولدينا أكثر من 100 مكان ديني، يمكن أن يكون وجهة سياحية أكثر نشاطا مما هو موجود الآن،

والذي يتمركز في حدود الزيارات في المناسبات الدينية. وكذلك السياحة الآثارية التي في العراق يوجد أكثر من 20 ألف موقعٍ أثري، بحسب الاحصاءات الرسمية، موزّع على جميع مدن وحتى قصبات العراق من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه.
 وكذلك السياحة الطبيعية في الأماكن التي يمكن أن تتحوّل إلى عملية استقطابٍ سياحيّ، كما في الأهوار أو الغابات أو المواقع النهرية الأخرى كالرزازة والحبانية على سبيل المثال.
إضافة إلى الأماكن السياحية في العاصمة بغداد كطاق كسرى وتلال سيد محمد وأبي حنيفة وشارع الرشيد وأبي نواس وحتى سوق الشورجة، يضاف لها حاليا (المولات) الكبيرة، التي تضاهي اما موجود في دول الجوار مثلا. وما فيه وجوامع أخرى لو تم تعدادها لاحتجنا إلى أسطرٍ عديدة. وإذا ما أردنا أن ندخل في الحسابات المكانية فنقول المتحف العراقي الذي لوحده لو تم استثماره لحصل على زيارات قد لا تنتهي خلال زيارة واحدة لكل سائح. مثلما يمكن عد العشرات المواقع في محافظة كربلاء ككنيسة الاقيصر التي تعد أقدم كنيسة في الشرق الأوسط وعمرها اكثر من 170 عاما قبل الاسلام. ومنارة موقدة وغيرها، كذلك الأماكن السياحية في الموصل وصلاح الدين وإقليم كردستان وكذلك البصرة، حيث مدينة السيّاب يمكن ان تكون وجهة سياحية
كبيرة إن السبب الرئيس الذي يقف وراء الأمر هو عدم وجود صناعة سياحية.
فالسياحة علمٌ وفنٌّ وصناعةٌ تحتاج إلى موادٍّ أوليّةٍ أخرى غير المواقع والأثار، تحتاج إلى همّة دولة وجهات وهيئات تستطيع العمل.
ويمكن ملاحظة الأمر عند السياحية الأهوارية، التي نجد أنها أكثر نشاطًا من أية سياحة أخرى إذا استثنينا السياحة الدينية، وسياحة إقليم كردستان. فالسياحة في الهور بدأت بشكلٍ شخصيّ من قبل شخصيات، وحين دعمتها الدولة أصبحت تستقطب العديد من السوّاح من دول العالم، بل أنه في الآونة الأخيرة بدأت باستقطاب سيّاح من إقليم كردستان.
إن الأمر ليس صعبًا على الاطلاق، بل هي صناعة واستثمار. وممكن أن تتّفق الشركات السياحية على استقطاب السيّاح من مختلف دول العالم، كما يفعل العراقي الذي يذهب إلى دولٍ سياحية كمصر ولبنان وسوريا وروسيا وإيران وأذربيجان، وغيرها من الدول، من خلال شركاتٍ تروّج عبر منّصاتها لهذه الزيارات. فلماذا لا يكون العكس هو الصحيح؟
وإن كان الأمر حاصلا فهو على نطاق ضيّقٍ، وذلك لأسبابٍ أما سياسية وصراع المناصب، أو اقتصادية حيث تقوم الجهات المعنية بفرض رسومات وضرائب وحتى غرامات على هذه الشركات، أو حتى اجتماعية، حيث لا يتقبّل العراقي وجود سياحةٍ مشابهة للسياحة في دول العالم.
فربّما تقوم عليه جهات هي الآن أقوى صوتًا وأعلى. لذا فالأمر يحتاج إلى تأنٍ وإيجاد نقاط تواصل ودعم لهذه الشركات.
لأن كلّ هذا يصبّ في صالح العراق اقتصاديًا، ومنها زيادة دخول العملة الصعبة إلى الداخل، وتشغيل الأيدي العاملة، ومنها نصب أكشاكٍ للعاطلين عن العمل في المناطق السياحية، وبيع التراث العراقي، وهو ما يعني تنشيط الصناعة الفنية للتماثيل والنصب التي سيحملها السائح إلى بلده.
وغيرها الكثير من النقاط التي تصب في صالح الشعب أو الدولة بكل مرجعياتها. وإذا ما أردنا القول، تشغيل مئات الفنادق في هذه المدينة أو تلك. وبالتالي تنشيط حتى الأسواق الخاصة بالبقالة والملابس والانتيكات وسيارات الأجرة وحتى مدن الألعاب.
إننا حقّا بحاجةٍ إلى صناعةٍ سياحيةٍ تأخذ في الحسبان مصلحة العراق، وأن نتعلّم حتى من دول الجوار التي لديها أمكان دينية، مثلما لديها أماكن سياحيةٍ تروّج لها.