عبدالزهرة محمد الهنداوي
في تسعينيات القرن الماضي، اجريت مع الزميل عباس الظاهر، تحقيقا صحفيا عن مستشفى الرشاد للامراض العقلية، والنفسية، وكان عنوانه: (ودخلنا الشماعية)، حيث امضينا هناك ثلاثة ايام بلياليها، الامر الذي عرّضنا للكثير من
المخاطر.
تذكرت تفاصيل ذلك التحقيق، وانا استمع لحديث أحد الاصدقاء، وهو يروي لي احداثا تتعلق بأحد اقاربه، الذي أُدخل مستشفى الرشاد، عدة مرات، لكونه، مصابا بذهان نفسي خطير، ولكن المفاجأة- يقول صاحبي- ان مريضهم، كان يترك المستشفى ويعود اليهم، مع درجة الخطر الذي يسببه لأسرته، وسكان المنطقة، وقد تكررت الحالة مرات عدّة، وبصرف النظر عن هذه القصة، فيما اذا حدثت فعلاً، ام لم تحدث، فإن مستشفى الرشاد، هو الوحيد في العراق، بطاقته السريرية التي تتجاوز الـ(1200) سرير، مقسمة على (24) جناحا، ووفقا لهذه السعة، فهو يُعد من المستشفيات العملاقة، ويمثل اكبر منشأة للصحة النفسية في البلد، وعلى الرغم من هذه السعة والطاقة الاستيعابية الكبيرة، إلا أن المستشفى، يمر في بعض الاحيان بحالة اكتظاظ، تتجاوز مديات اجمالي طاقته، ذلك لانه لا يوجد سواه في البلد، ولعل هذا من الاسباب التي تجعل من الصعوبة، على اسر وذوي المرضى، التواصل مع مرضاهم، ولذلك تداعيات نفسية على المريض نفسه، فعدم التواصل مع اسرته، ربما يفاقم من حالته المرضية، فلا يشهد تحسنا في صحته، أو ربما يسعى بعض المرضى إلى الهروب باي طريقة كانت، ومثل هذا الامر فيه الكثير من المشكلات الاجتماعية.
ومن جانب اخر، - وهو امر في غاية الاهمية- إن الكثير من الأسر، في المحافظات البعيدة، ربما لن تكون قادرة على إرسال مرضاها إلى «الرشاد»، لاسباب كثيرة، بعضها اقتصادي، وبعضها يرتبط ببعد المسافة، وأسباب اخرى، وبعض من هذه الاسر، قد لا تستطيع السيطرة على المريض نفسه، فيخرج إلى الشارع هائما، ما قد يعرضه للخطر أو انه هو نفسه يشكل خطرا على الاخرين.
وقطعا ان الامر كان سيكون اكثر يسرا، واقل خطرا، لو كانت لدينا مستشفيات كمستشفى الرشاد في المحافظات الاخرى، وقد يبدو طرح مثل هذا صعب التحقيق، وهنا يكون المقترح البديل، هو انشاء مستشفيات متخصصة بالامراض العقلية والنفسية، مشتركة بين عدة محافظات، مثلا، مستشفى في الفرات الاوسط، ويغطى جغرافيا 4- 5 محافظات، ومستشفى اخر في للمحافظات الجنوبية ويغطي جغرافيا 4- 5 محافظات ايضا، وهكذا الحال بالنسبة للمحافظات الغربية والشمالية، ولو فعلا ذهبت وزارة الصحة بهذا الاتجاه، وبالتعاون مع الحكومات المحلية، فان المشهد سيتغير كثيرا، اذ سيكون هؤلاء المرضى واسرهم والمجتمع بمأمن من اي خطر، وان الزخم الهائل الذي يتعرض له مستشفى الرشاد، سيتراجع كثيرا، وبالتالي، سيتحسن مستوى الخدمات الصحية والنفسية والطبية المقدّمة للمرضى، في هذا المستشفى وباقي المستشفيات التي سيتم انشاؤها في
المحافظات..
اعتقد ان هذا الملف مهم جدا ويستحق التوقف عنده، وايجاد الحلول والمعالجات الممكنة، في اسرع وقت ممكن، لاسيما مع التوجه الكبير للحكومة، باتجاه النهوض بقطاع الصحة في العراق، من خلال انشاء المزيد من المستشفيات في الكثير من الاقضية،، وتوفير التخصيصات المالية اللازمة لتأمين افضل المتطلبات لهذا القطاع
الحيوي.