الإحساس بالزمن سياسيًّا

آراء 2024/05/09
...

ساطع راجي

الحسنة الأساسية للديمقراطية إنها تحترم الزمن وتجعله شرطا عمليا حاسما لا يقبل الجدال، وعبور أي مؤسسة أو مسؤول للزمن الدستوري او القانوني يفقده الشرعية ويجعله مغتصبا للسلطة ولا مبرر لبقائه عدا الطوارئ المحددة أيضا بتفسير دستوري، وبالمثل توجد توقيتات ملزمة لإشغال المواقع وسقف لفترة شغورها وبقائها بلا مسؤول بما يقطع الطريق على مواصلة المناورات والمماطلات بهدف إبقاء المواقع خالية او لتمرير صفقات مشبوهة في التوقيتات الحرجة.
ترسخ الديمقراطية الزمن كهاجس لأي عمل سياسي ولذلك حتى مع غياب التحديد الدستوري والقانوني للزمن في بعض الازمات فإن مؤسسات الدولة والقوى السياسية ملزمة بأخذ هذا العامل في حساباتها، والاستجابة لحتميته وعدم ترك الازمات بلا سقوف زمنية كما يحدث منذ أشهر في تعطل انتخاب رئيس مجلس النواب وانتخابات برلمان إقليم كردستان، واختيار محافظيّ كركوك وديالى وأزمات أخرى صارت قيد النسيان مثل تعديل الدستور وقوانين العدالة الانتقالية والمادة 140 وقانون النفط والغاز ومجالس الاقضية والنواحي ويمتد النسيان في بعض السنوات ليشمل حتى الموازنة المالية رغم حدودها الزمنية الواضحة، وهي كلها أزمات تقدمت فيها الترضيات السياسية وتوزيع المغانم وحماية المصالح الحزبية والشخصية على احترام المؤسسات حتى ترسخ في ذهن المواطن/ الناخب عدم أهميتها وبالتالي عدم جدوى الانتخاب والأخطر انها تدعم ادعاءات فشل الديمقراطية كنظام فعال في حسم الازمات وتسهم في الترويج للدكتاتورية.
إن استمرار هذه الازمات ليس بسبب فشل الديمقراطية، وانما نتيجة عدم الالتزام بالآليات الديمقراطية لحسمها والخضوع للترضيات الفردية والعشائرية والصفقات التجارية وهي جزء من منظومة التخلف السياسي التي يحاول العراق ودول المنطقة التخلص منها منذ مئة وخمسين عاما تقريبا، وكان يمكن الدفاع عن هذه المنظومة الفردية العشائرية والركون إليها والعودة لاستخدامها لو انها كانت فعالة ومثمرة وقادرة على تدبير شؤون الدول والمجتمعات ولو لم تكن مسؤولة عن تاريخ مثقل بالهزائم والكوارث الانسانية.
لو وضعنا قائمة بالمؤثرين في الازمات الراهنة، لوجدناهم جميعا يعيشون في الحقل السياسي بلا محدد زمني سواء في داخل أحزابهم أو مكوناتهم الاجتماعية، بل يتمتعون بسلطة مطلقة بدون توصيف او سياقات، لذلك يرسخون الاستعصاء في هذه الازمات ويمارسون العناد لإثبات وجودهم وتفعيل أدوارهم، ويصرون على تحدي المؤسسات والدستور والمصالح العامة لإثبات سيادتهم الشخصية المتعالية على كل شروط الواقع.
إن حسم تسمية شاغلي المناصب العليا أو تشكيل المؤسسات وتنفيذ الاستحقاقات الانتخابية في مواعيدها يوقف إهدار الزمن حتى لو لم يكن شاغل المنصب استثنائيا او مرضيا تماما في أدائه، لأن وجوده ضرورة لتسيير شؤون المؤسسات، ولتجاوز التوترات والتحريض والاستجابة للوضع الطبيعي دستوريا وقانونيا، ومنع التمادي في المماطلات وتجميد المؤسسات او الدفع الى حالات الفراغ.