الكفاءة والثقة بالنفس

آراء 2024/05/09
...

علي حسين عبيد

في حوار مفيد وشيّق أجرته إحدى مقدمات البرامج الناجحة، قال الضيف العراقي المغترب بأنه سافر إلى ألمانيا وهو في مقتبل العمر، بعد أن حصل على شهادة الإعدادية، وحين دخل ألمانيا آنذاك في سبعينيات القرن الماضي، لم يكن لديه أقارب في برلين الغربية ولا أصدقاء ولا معارف ولا حتى أموال، بل الأكثر من ذلك لا يتقن اللغة الألمانية ولا الانكليزية.
لو تمعَّنا جيدا في مؤهلات هذا الشاب المغترب (الذي أصبح اليوم رجلا مسنا وأستاذا جامعيا مرموقا)، سوف نتساءل على الفور كيف يغامر شخص شاب ويذهب إلى بلد غريب وهو لا يمتلك أي شيء يعينه على العيش، فلا معارف عنده ولا أموال ولا لغة، ومع ذلك حقق نجاحا لا يوصَف بعد أن قطع رحلة حياتية طويلة تمخضت عن شخصية كبيرة ومتميزة.
ما الذي جعل هذا الشاب أن ينجح في مساعيه رغم أنه لا يمتلك الأسباب والعوامل التي تساعده على النجاح في مجتمع غريب، هذا السؤال هو الذي أجاب عنه بوضوح عندما سألته مقدمة البرنامج، كيف نجحت في مساعيك وأنت لا تمتلك أيًّا من عوامل النجاح، لا أموال، ولا لغة، ولا أقارب ولا أصدقاء؟
فأجاب هذا المغترب بأنه كان يمتلك أقوى شيء يمكن أن يقف وراء نجاح الإنسان وهو (الثقة بالنفس)، وأضاف عاملا آخر دعمه أيضا في رحلة نجاحه وهو (الكفاءة)، وقال إن الثقة بالنفس تجعل الإنسان أكثر كفاءة من غيره، وأن الشخص الذي يجمع في شخصيته بين الثقة بالنفس والكفاءة، يمكنه أن يقتحم المجهول ويفهم أسراره وهذا بالضبط ما فعلته في مجتمع غريب وبلد لم أدخله في السابق.
بالطبع كان المجتمع الألماني الغربي آنذاك مختلفا عمّا هو عليه الآن، فالناس كانوا آنذاك بشوشين متبسّمين على الدوام ومتفائلين ومتعاونين وإنسانيين أكثر بكثير من الوقت الحاضر، لم تكن النزعة المادية قد وصلتهم آنذاك ولم تستطع أن تفسد إنسانيتهم كما يحدث اليوم في المجتمع الغربي وفي مجتمعات العالم أجمع.
كان الناس الألمان في النصف الغربي من ألمانيا، حيث كانت مقسَّمة نصفين الشرقي الاشتراكي الشيوعي، والغربي الأوربي، كان الألمان الغربيون متفائلين، متعاونين، لا ينظرون إلى المهاجر الغريب على أنه منافس لهم، بل يمدون له أيدي العون، وهكذا تمكنتُ (الكلام للشخص المغترب) من أن أشق طريقي في ألمانيا حيث وجدتُ عملا، وحصلت على فرصة لمواصلة دراستي الجامعية، وأكملت دراسة الماجستير، وحصلت على عمل تعليمي ثم حصلت على عمل في إحدى الجامعات الأمريكية المهمة.
خلاصة حياة هذه الشخصية العراقية المغتربة هي النجاح بعد أن توفرت له أهم ركيزتين يمكن من خلالهما أن ينجح الإنسان في مساعيه، وأن يبلغ الأهداف التي خطط لها، وهاتان الركيزتان هما (الثقة بالنفس والكفاءة)، فالإنسان الذي يثق بنفسه سوف ينجح حتى لو كان ينقصه الكثير، والإنسان الذي يمتلك كل شيء ولا يثق بنفسه فإنه سوف يفشل لا محال، هذه رسالة لشبابنا العراقيين اليوم، عليكم أن تمتلكوا الثقة بالنفس أولا ومن ثم تنفتح لكم أبواب النجاح، لأن الثقة تقودكم إلى الكفاءة، وكلاهما يقودان إلى النجاح.