صنع في العراق

ثقافة شعبية 2024/05/09
...

كاظم غيلان

يطلق على ( سيف الدين ولائي) الشاعر وصانع الأغنيات العراقية الأبرز ليومنا هذا بشاعر الالف أغنية. ولنفترض أن ثمة مبالغة في الرقم إلا أن ولائي هو الأبرز، ومن البديهي في معنى الغناء فهو نتاج بيئوي، وليس سوى بيئة العراق مصدراً لهذا الشاعر الموهوب في ما كتب من عدد كبير.
إلا أن هذا الشاعر الذي لم يغازل الحاكم ببيت واحد كوفئ برميه على الحدود مطلع الثمانينيات بعد أن الصقت به تهمة (التبعية) الإيرانية حاله كما الآلاف من أبناء الاقلية الفيلية المظلومة، ولم يشفع له تاريخ ولادته بالكاظمية، حتى تلقفته عذابات الغربة ومرارتها ليفارق الحياة ويدفن في مقبرة – الغرباء- بضاحية السيدة زينب إلى جوار رموز الثقافة والفكر، هذه المقبرة يعرف من زارها كيف يتصدرها قبر الشاعر (مصطفى جمال الدين) وزوجته و(محمد مهدي الجواهري) وزوجته و(هادي العلوي) وزوجته، وكأن هناك ( لم شمل) كواحدة من اجراءات المفوضية العليا للاجئين المعمول بها دوليا. وعلى ذكر ( لم الشمل) تذكرت أغنية لفاضل عواد (هلو وحنه نهل يامحله لم الشمل) أداها الشيوعيون والبعثيون معا في مهرجان أو مؤتمر للشبيبة العالمية بالعاصمة الألمانية – برلين- أواسط السبعينيات وماهي الا سنتان أو أكثر بقليل حتى تفرق وتهدم الشمل بانهيار تحالف زائف اسمه الجبهة الوطنية أو(الجبحة) على حد تسمية الفقيد شمران الياسري (ابو كاطع) كاتب العمود الشهير وروائي الريف الذي هو الآخر دفن في منفاه. كل هذا: صنع في العراق.
وفي عراق العجائب والغرائب اشتعلت صفحات التواصل الاجتماعي - فيسبوك - وهي تتناقل وتنشغل بتصريحات وأخبار وآخر - طلايب وفضايح - الفاشنيستات والبلوكرات - بينما توارت واهملت (نازك الملائكة وزها حديد ومائدة نزهت ) وما انجزن من إبداعات حتى بدأنا نشك بتلف الذاكرة العراقية. وكل هذا أيضا: صنع في العراق.
ولأن نظام أو عصر التفاهة يغلو وتصخب ايقاعاته فارتفع شأن - المهاويل- لمصاف الشعراء الكبار بينما يرتفع شأن متعهدي حفلات المطاعم بمختلف درجاتها ليصبحوا فنانين وإعلاميين كبارا لا يشق لهم - غبار- بمباركة جيش من سقط المتاع ومن كلا الجنسين.
وهذا أيضا: صنع في العراق. في فصحى الشعر يطالعنا - النقاد الخفر وأبرزهم اكاديميون - أو - النقدجية- بدراساتهم الدسمة - تخرخر دهن ثقافي- عن فتوحات شواعر قصيدة (النثر) التي هي خواطر باهتة لاتذكرنا الا بمادة (الإنشاء) في المراحل المتوسطة، هذا كله يتم باتفاق الدارس والمدروسة نقدا ونثرا و: كوم انثر الهيل ومايوازيه أيضا.
وهذا أيضا وطبعا: صنع في العراق و( بدقة).
قبل أكثر من شهرين بينما كنت مع الصديق الشاعر (جليل حيدر) نمضي سهرتنا في احد المنتديات صادفنا اثنين من الزبائن عند بوابة دورة المياه فسأل الأول صديقه مستفسرا :
اشو مشفتك بالمربد؟؟
أجاب الثاني:
رجعت ثاني يوم. قريت ورجعت.
المهم قرأ ورجع بلا حسد وربما غنى كثيرا : طارش رحت للبصرة.و: عين غطى وعين فراش.
وللحظة لم أعرف سر العلاقة الجدلية بين دورة المياه والمهرجان.
كأني بسيف الدين ولائي الآن يقف عند المثابة الحدودية ملتفتا للعراق صائحا بنا:
 (أدير العين ماعندي حبايب).