طريق المطار

الصفحة الاخيرة 2019/06/08
...

 جواد علي كسّار
دفعت الواقعة ما كنتُ أعيشه من تردّد قبل ذلك، فمنذ فترة وأنا أتابع بوجلٍ شديد، حديث بعض الخاصّة من الثقاة عن طريق المطار. ملخص ما ذكرته هذه المجموعة من المعارف والأصدقاء، أنَّ هناك التفافاً على الإجراءات الطبيعية الروتينية التي نعرفها جميعاً، وهي تأخذ بأيدينا من ساحة عباس بن فرناس، إلى أبواب صالة المطار. تبدأ القصة مكانياً من السيطرة المؤدّية إلى المرأب والساحة، حين تجد من يعرض عليك الذهاب مباشرة إلى المطار عبر الطريق الخاص، من دون أنْ تخضع لإجراءات الطريق العادي الموازي، من إنزال الحقائب والتفتيش والتأكد من الجواز وبطاقة السفر وما إلى ذلك؛ ذلك كله في مقابل مبلغ من المال يتراوح في العادة بين 40ـ 60 ألف دينار للمسافر الواحد، وقد تسمع من يساومك أحياناً على أقلّ من ذلك ويكتفي بثلاثين ألفاً!
تنتهي هذه الواقعة بالتفكيك إلى بُعدين أخلاقي يمثله الفساد، وأمني يمثله اختراق مرفق من أبرز مرافق الحياة، له دالة سيادية في وضعنا السياسي. فمع أن الفساد كلّه مذموم، إلا أن الجانب الأمني في اختراق المطار هو الأهمّ، وهذا ما كان ولا يزال يثير خشيتي وخوفي حدّ الفزع، من تطوّر الظاهرة إلى ما لا يُحمد عقباه، إذ لنا أن نتصوّر الضرر البليغ الذي يلحق المواطن والبلد وسمعته، إذا تعرّض المطار للاختراق الفعلي.
كنتُ أمتنع عن إثارة الموضوع مع ثقتي بما سمعته من خاصة المعارف والأصدقاء، معللاً النفس بأن المسألة قد تقتصر على واقعة أو اثنتين أو أكثر وينتهي الأمر، لولا ما حصل معي دراية لا رواية كما يقول علماء الرجال!
لقد كنتُ في طريقي إلى مطار العاصمة، ماراً بسيطرة عباس بن فرناس كمألوف عادتي، عندما رحتُ أنتظر وصل تسديد مبلغ الدخول، من النافذة المخصّصة لذلك. لكن لفت نظري أن السيارة التي أمام سيارتي تلكأت بعض الشيء، حينما مدّ أحدهم رأسه من نافذة السيارة، وراح يتحدّث إلى المسافرين. بديهي لم أعرف ما دار لأنني لم اسمع الحديث، لكن لفت انتباهي، أن السيارة التي أمامي استدارت في قرار غريب لم أعرف كنهه، ولم تدخل المرأب المفضي إلى الساحة العتيدة.
مرّت لحظات وإذا بالشخص نفسه يعرض عليّ، وهو يحدثني من نافذة السيارة، الوصول السريع إلى صالة المطار من دون تفتيش وإنزال الحقائب، مقابل (30) ألفاً!
قطعت هذه الواقعة التي حصلت معي شخصياً الشك باليقين، ودفعتني إلى الكتابة عن هذه الظاهرة، التي يمكن أن تهدّد أمن المطار، وهو المرفق الحيوي الذي عاش استقراراً مشهوداً منذ السقوط حتى الآن، ولم يشهد مخاطر أمنية أو اختراقات يُعبأ بها. سأترك البُعد المرتبط بالفساد جانباً، وأسجّل بصراحة تامة بأن المعالجة الأمنية وحدها لا تكفي، بل المطلوب هو المعالجة الجامعة. وجوهر هذه المعالجة برأيي، هو القضاء على الطريقين؛ الخاص والعام، وتعطيل ساحة عباس بن فرناس، بحيث يتحرّك المسافرون جميعاً عبر طريق واحد، وبسياراتهم الخاصة إلى باب صالة المطار مباشرة، دون تمييز بين فئة وأخرى ويخضع الكلّ لإجراءات موحّدة.
أجل، إلغاء الوسائط وتعطيل الساحة، والسماح بالحركة المباشرة للمسافرين إلى صالات المطار، هو الطريق الأقصر للقضاء على الفساد، والحؤول دون المخاطر الأمنية التي قد تهدّد مطار العاصمة!