أسواق فقدت هويتها التراثيَّة.. الصفافير أنموذجاً

الباب المفتوح 2024/05/15
...

 قاسم موزان
 تصوير نهاد العزاوي

في العقود الاخيرة طرأت على أسواق بغداد، التي تحمل الهويات التراثية تغيّرات، سلبت منها روح الماضي العريق بإرثه التاريخي الأصيل، وما تحمله من معان ثقافية ومعرفية، وتحولت فيما بعد الى مخازن او محال تجارية لا تنتمي لصفة السوق مثل اسواق السراجين والسراي او باب الاغا وخان الصابون في الشورجة وهذا بحد ذاته شكل إساءة لها، ولعل سوق الصفافير أكثر الأسواق التراثية تضررا من هذا التغيرات، حيث غابت التراثيات النحاسية  المنتجة بأيدي الصناعين المهرة، وكان يؤوم السوق السياح الاجانب العرب، منبهرين بما انتجه العقل العراقي من روائع فنية.
وحل محل التحف الابداعية المصنوعات الصينية المقلدة للأصل ولا يثير الرائي الا بريقها الذهبي الزائف، وزحف سوق القماش اليها، فضاعت الهوية التراثية وتوقفت مطارق الصفارين التي كانت  تصم الآذان .  
بهذا الصدد قال الباحث في الفكر الشعبي باسم عبد الحميد حمودي “قبيل رحيله”، لدى اتساع بغداد وزيادة سكانها نشأت احياء جديدة وتغيرت الكثير من وظائف الشوارع التجارية العريقة، مثل الرشيد والسعدون وتحولت الى أخرى، وتحولت اماكنها ومساحاتها إلى أسواق صغيرة ومخازن.. وذلك أمر غير من وظيفة المكان ضعف تشكيل سوق الصفافير التقليدي وزالت معظم المحلات التي كانت تشتغل في صناعات النحاس الشعبية الفولكلورية، ودخلت السوق اماكن السجاد والانتيكات والملابس، وبذلك تغير شكل هذا الشارع ووظيفته قل ذلك عن سوق السموأل المواجه للمصارف، الذي يصل إلى شارع النهر، اذ كان هذا الشارع مقرا لمجموعة من الخياطين ومحلات الصرافة، وقد زالت منه محال الخياطة، وضعفت محال الصرافة، التي تحولت وظيفتها الى شارع الكفاح.
من جانب آخر كان سوق السراي، هو السوق الرئيسي حتى ستينيات القرن العشرين للكتب والمكتبات، واستمر كذلك لعقود حتى طغى عليه شارع المتنبي، الذي انتقلت اليه المكتبات وتحول سوق السراي، الى سوق للقرطاسية هذا التغيير في وظائف الاسواق يتم بفعل الحاجة وتطور المعمار وعربات الباعة وتجاربهم وانصياع مع رغبات
المتلقين.

سحر السوق
وصفت د. مروج مظهر عباس سوق الصفافير بأنه موروث ثقافي واجتماعي من عقود طويلة وحرفة متوارثة، اذ تصنع فيه أوانٍ وقدور بأحجام مختلفة وتذكارات ودروع ولوحات فنية نحاسية، التي يطلق عليها العراقيون تسمية (الصفر)، لا يكاد أي بيت يخلو من صناعاته،إلا أن السوق بدأ يفقد هويته نتيجة الاجتياح القوي للبضاعة المختلفة الصينية التقليدية خاصة، فضلاً عمَّا تعرض له العراق من حصار وحروب وازمات له تأثير كبير بفقدان اغلب زبائنه السياح من الدول العربية والأجنبية.
كذلك ارتفاع سعر النحاس، لذا لا بد من الحفاظ على هذا الموروث الثقافي والاجتماعي، من خلال الاهتمام بالسوق وتشجيع استمرار العمل به، ليبقى سوقاً صاخباً نابضاً بالحياة يعج بأجمل ألحان
النحاسيات.
زحفٌ مخيف
وصف المواطن ن س بأن سوق الصفافير واحدٌ من الاسواق المهمة في العراق، الذي يختص بالتراثيات المصنوعة من بأيدي المحترفين المهرة، وكانت الناس تقتني هذه النحاسيات وتحتفظ بها لفترة طويلة لتميزها في الدقة وبراعة الصنع، وما زالت بعض الأسر تتباهى بما تمتلك من هذه الجواهر الثمينة.
 وأبدى أسفه بالقول، لقد بدأت تزحف مهن أخرى على هذا المكان العريق، مما سبب بتراجع مخيف، فالجاهز المقلد للأصل غزا البلاد وقلت فرص
العمل.

دعم السياحة
من جهته اوضح الاعلامي عادل فاخر انه مع بقاء أي هوية تراثية للمعالم والأسواق في بغداد، رغم التطور والتكنلوجيا الحديثة، لكن على المستوى المحلي لم يعد الكثير من العراقيين بحاجة إلى الأواني النحاسية أو المصنوعة من الصفر إلا تلك المتعلقة بالتحفيات والانتيكات، لذلك لا بد من دعم قطاع السياحة في العراق إذا أن غالب الأجانب يرغبون باقتناء تلك الأواني والانتيكات كما في السبعينيات والثمانينيات ليبقى السوق مزدهرا.