علي حسين عبيد
أتذكّر ومعي صحفيون وكتاب وأدباء كُثر، تلك الأيام العصيبة التي وجدنا فيها أنفسنا في متاهة حقيقية، فلا توجد صحافة تؤمّن لنا العيش، ولا مصدر رزقا من أي نوع كان، فكنا ندور حول الصحف الكثيرة التي تبحث عن كتاب ومحررين يعملون فيها، لكنها سرعان ما تتلاشى، وكأنها فص ملح ذاب في الماء أو قطعة ثلج تحت الشمس لم يبق أثر لها.
في غضون أسبوع واحد تنقّلْنا بين ثلاث إلى خمس صحف كلها جديدة، كلها كانت تابعة لجهات سياسية صغيرة، لها أجنداتها الخاصة، فقد امتلأت الساحة بمئات الصحف، لكن الفوضى الهائلة جردتنا من خياراتنا الكثيرة.
الجريدة الوحيدة التي كنا نتكالب عليها بشكل يومي هي (الصباح)، التي استقطبت الصحفيين والكتاب والإعلاميين، وبدأ هؤلاء يشعرون بشيء من الاطمئنان والأمان، وباشروا العمل، تحت التجربة، ثم تطور الأمر إلى العاملين بإجراء عقود معهم، وبدأت جريدة «الصباح» تصدر بشكل منتظم، وأخذت بالتطور السريع، بعد أن دخلها صحفيون عراقيون لهم الباع والخبرة الصحفية المشهودة والمتفردة.
وهكذا بدأت هذه البذرة الصحفية الصغيرة تنبت أكثر فأكثر في أرض الصحافة العراقية، وأخذت تنمو وتتبرعم أغصانها وتخضّر أوراقها حتى أصبحت شجرة وارفة، وتحولت إلى مؤسسة تتضاعف قدراتها الصحفية الكبيرة، وتضم بين قاعاتها وغرفها ومطابعها المئات من العاملين، كثير منهم صحفيون متمرسون يتقنون عملهم الصحفي والإعلامي بجدارة، وتعددت الأقسام التي تتوزع على صفحات الجريدة. كنا نتردد كثيرا على صفحات بعينها، منها الصفحات الثقافية على وجه الخصوص، وأتذكر أنني كُلّفت بإعداد ملف عن المشهد الأدبي في مدينتي كربلاء، وفعلت ذلك خلال أيام قليلة وساهم في هذا الملف أكثر 15 شاعرا وأديبا من هذه المدينة، وكان الأستاذ الراحل سليم السامرائي هو الذي طلب هذا الملف الأدبي المتميز. وكان للقسم الرياضي في جريدة «الصباح» دور مهم وكبير ومثابر في تغطية المشهد الرياضي العراقي في الداخل، وتابع المسابقات العربية والدولية التي يشارك فيها العراق، وتطور هذا القسم حتى أصبح من أفضل الأقسام الإعلامية والصحفية في المجال الرياضي. وهناك صفحة آراء التي استقطبت خيرة كتاب العمود الصحفي، والمقالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفلسفية، ونشطت في تقديم كتاب جدد وآخرين قدماء ومخضرمين، وتداخلت الآراء والخبرات، وترسخت قيم جديدة في اختلاف التوجهات والآراء، وكان الكل يرددون القول المعروف (اختلاف الآراء لا يفسد للود قضية). ومما يتطلب الذكر ونحن نحتفل بذكرى سنوية جديدة لولادة جريدة «الصباح»، أن رؤساء التحرير ومدراء التحرير الذين تعاقبوا وراء بعضهم بعضا، أجادوا مهامهم رغم صعوبة هذه المسؤولية، وعدم الرضا الذي يعلنه الكثير ممن يتابعون هذا الإصدار الذي يعوَّل عليه كثيرا، كي يمثل واجهة صحفية حضارية تمثل العراق والعراقيين خير تمثيل.