علي حسن الفواز
يكشف العدوان على غزّة وبهذا العنف المتوحش عن خفايا إيديولوجية، وعن رساميل تتحرك لتجعل من هذا العدوان وكأنه الرهان على وضع الشرق الأوسط تحت طائلة دورة العنف من جانب، وفي سياق صناعة حروب وصراعات عنصرية وطائفية ومناطقية، على غرار ما يحدث في السودان وفي ليبيا وفي اليمن، فاليد الغربية- الصهيوني ليست بعيدة عن صناعة هذه الحرائق الجغرافية والأمنية والقبائلية، وسيجد أي موقف دولي أو إقليمي لإيقاف هذه المذابح إجراءات سريعة، تهدف إلى خلط الأوراق أولاً، وإلى الإبطاء في تنفيذ أي تأطير قانوني لإيقاف العنف والعدوان، إن كان على مستوى مجلس الأمن، أو على مستوى السياسات الإقليمية.
آخر هذه الممارسات المحرضة على استمرار العدوان هو مشروع القانون الذي تقدّم به الحزب الجمهوري في مجلس النواب، والذي يفرض نوعاً من الضغط على الرئيس الأميركي للاعتراض على تزويد الكيان الصهيوني بالمساعدات العسكرية، ومنع وضع أي قيود عليها، أو تأجيلها، وبهذا فإنَّ الحزب الجمهوري يراهن على "الديمقراطية الناقصة" لتبرير فرض العدوان، ولترسيخ سياسة الأمر الواقع القائمة على القتل الممنهج للشعب الفلسطيني، وجعل سياسة العسكرة بمثابة رسالة إلى دول المنطقة، تحت يافطات عائمة، تدعي مراعاتها أهداف الأمن القومي الأميركي، وحماية الحلفاء، دون النظر إلى أيِّ حقوق للإنسان وللأمن الستراتيجي في الدول الأخرى.
معارضة المنع والرفض والتقييد الخاصة بالدعم العسكري تكشف عن مرجعية إيديولوجية وعنصرية أكثر مما هي سياسية، تتبدى عبر إجراءات ومواقف تجعل من "العدوان" ودعمه جزءاً من فرضية القوة التي تعمد إلى تكريسها الولايات المتحدة، في صراعاتها الدولية، وفي صياغة أهداف وتوجهات الأمن القومي، فرغم تحذير الرئيس الأميركي الأسبوع الماضي خلال مقابلة صحفية، بوضع اليد على صفقة مساعدات بالأسلحة الهجومية، مقابل عدم قيام الكيان الصهيوني بالهجوم على رفح، إلّا أنَّ معطيات المخفي في كواليس تلك "الديمقراطية الناقصة" تفضح هذه المناورة، وتضع تأهيل العسكرة الصهيونية للعدوان على رأس الأولويات، بوصفها تعزيزاً للرهانات الأمنية والمصالح في المنطقة، وموقفاً يعبّر عن انحياز الولايات المتحدة إلى الكيان، وإلى كل سياساته العنصرية والعدوانية، وحتى إلى خيار تهجير أهالي قطّاع غزة، والعمل على تأجيل الحلول السياسية والإيقاف التام لإطلاق النار.