أوروبا واليمين المتطرف

قضايا عربية ودولية 2024/05/19
...

علي حسن الفواز


يشكل صعود أحزاب اليمين الأوروبية إلى الواجهات السياسية ضغطاً خطيراً على مسارات “الديمقراطية الغربية” وعلى إجراءاتها في التعاطي مع القضايا الحقوقية، والقضايا التي تخص الأمن الستراتيجي والمناخ والبيئة، وصولاً إلى القضايا التي تخصّ سباق التسلح ودعم الخيارات العسكرية والأمنية إزاء الدول الأخرى، وهو ما يعني اندفاعاً غير مسبوق في التحالف مع السياسات الأميركية.
صعود أحزاب اليمين المتطرف في هولندا يعكس تحولاً في تاريخ المواقف التقليدية للمملكة، لاسيما في إجراءاتها إزاء سياسات اللجوء والهجرة، واحترام القواعد الأوروبية الخاصة بهذه السياسات، فضلاً عن المواقف إزاء الصراعات الدولية، لاسيما في أوكرانيا، وفي الشرق الأوسط، وهذا ما أشار اليه “كيرات فليدرز” زعيم اليمين المتطرف في هولندا، بالقول إن حزبه “ سيتخذ تدابير ملموسة نحو القواعد الأكثر تشدداً على الاإطلاق بشأن اللجوء، وأوسع حزمة من التدابير التي اتخذت على الإطلاق لإدارة الهجرة.
تكشف هذه المواقف عن طبيعة المتغيرات السياسية في أوروبا، والضغوطات التي تعانيها جرّاء تضخم ظاهرة الهجرة من جانب، والصدمات الاقتصادية المتفاقمة من جانب آخر،  والتي تدفع باتجاه خيارات معقدة، منها ما يتعلّق بالتماهي مع فكرة الحفاظ على “المركزية الأوروبية” إزاء مايحدث في الحرب الروسية الأوكرانية، وإزاء الضغوط الأميركية على صياغة القرار السياسي في هذا البلد الأوربي أو ذاك، فضلاً عن ضغوط الالتزام بقوانين الاتحاد الأوروبي الخاصة باللجوء والهجرة، واتخاذ إجراءات الترحيل بـ”القوة” بحق الذين يخالفون هذه القوانين.
تفاقم الأزمات الداخلية في أوروبا يُزيد من خيارات اليمين في فرض “نظرية القوة” على الواقع السياسي والاجتماعي، فاتساع الاضطرابات في فرنسا يؤشر مدى التغيرات التي يواجهها المجتمع السياسي، وقواعد الديمقراطية فيه، والضغوطات التي يتعرّض لها الرئيس ماكرون من أحزاب اليمين المتطرف التي تقودها ماري لوبين، كما أن التغيرات السياسية في إيطاليا- ثالث أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي- تكشف عن معطيات سياسية فارقة، من خلال صعود “جورجيا ميلوني” رئيسة الحزب الفاشي الجديد إلى إدارة النظام السياسي، فضلاً عن دخول أحزاب اليمين المتطرف في فلندا إلى المشهد السياسي، والمشاركة في الحكومة الائتلافية، وهذا ما حدث أيضاً في اليونان والسويد.
تُنذر هذه المتغيّرات بسياسات جديدة متشددة، ليس على مستوى مناهضة الهجرة والتعددية الثقافية فحسب، بل على مستوى المواقف التي تخصّ السياسات والمصالح الاقتصادية، والمواقف المتوازنة إزاء الصراعات الدولية، لا سيما ما يتعلّق بالموقف من القضايا العربية، ومنها ما يجري في غزة من عدوان صهيوني متوحش.