هل ينبغي أنْ يكون برجُ كاتدرائيَّة نوتردام المدبَّب أكثر حداثة؟

بانوراما 2019/06/08
...

ستيف روز
ترجمة: شيماء ميران
إنَّ التسابق لإصلاح كاتدرائيَّة باريس سيجذب الاهتمام العالمي وسيُعطي المهندسون المعماريون آراءهم، فلم يمر أقل من أسبوع منذ اندلاع الحريق في كاتدرائية نوتردام حتى تباينت ردود الأفعال ما بين حزن عالمي على المأساة المعمارية، وبين الاعتقاد بأنَّ الضرر لم يكن واسعاً كما كان متوقعاً أنْ يحدث، وبين مواد البناء المستخدمة في إعادة الإعمار، وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أعلن بأنّ هذا الصرح الذي يعود بناؤه للقرن الثالث عشر سيعاد ترميمه خلال خمس سنوات وبشكل أجمل من ذي
قبل.
جاءت كلمات ماكرون متزامنة مع الإعلان عن مسابقة عالميَّة لتصميم برج الكاتدرائية المدبب وهيكلها السقفي وبتعزيز مالي يقدر بمليار يورو جُمعت من التبرعات الخاصة التي تم التعهد بها حتى الآن، وأكد رئيس الوزراء الفرنسي ادوارد فيليب بأنهم يأملون "أنَّ البرج الجديد يكون متلائماً مع تقنيات وتحديات عصرنا الحالي".
ماذا يعني ذلك؟، يعني أنها فرصة العمر التي لا تتكرر بالنسبة للمهندسين المعماريين والمصممين، البرج الذي يبلغ ارتفاعه 90 متراً كان أحد الصروح الأكثر شهرة في أفق المدينة المنخفض نسبياً، ويُذكر أنَّ المعماري الفرنسي يوجين إيمانويل فيوليه لو دوك كان قد أضاف البرج عام 1850 ليحل محل البرج الأصلي المبني في القرن الثالث عشر وأزيل في العام 1786 لأنه أصبح متهالكاً، وسيبقى البرج الجديد أكثر بروزاً، لكن ماذا ينبغي أو ممكن أنْ يكون شكل الإضافة
الجديدة؟.
 
حرائق مشابهة
وأوضح رئيس ومؤسس شركة فوستر وشركاؤه نورمان فوستر بأنَّ كاتدرائيَّة نوتردام هي نصب ذو تقنية عالية في عصرها من ناحية الهندسة القوطية، وتاريخها كبقية الكاتدرائيات هو تاريخ التغيير والنهوض، وعلى مرّ الزمن تتعرض سقوف كاتدرائيات القرون الوسطى للضرر بسبب ألسنة النيران فيتم استبدالها، وخير مثال ما تعرضت له كاتدرائية شارتر عام 1194 و1836، وكاتدرائية ميتز عام 1877، وفي كل مرة تستخدم تقنية بناء متطورة لذلك العصر عند إجراء عملية الاستبدال ولم تكرر التصاميم الأصلية، ففي القرن التاسع عشر استُبدلت القطع الخشبية لهيكل كاتدرائية شارتر التي تعود الى القرن الثاني عشر بهيكل جديد من الحديد الصلب والنحاس، وسيلاقي قرار إقامة مسابقة لإعادة بناء نوتردام الاستحسان لأنه تأكيداً على تقليد هذه الإجراءات من جديد.
ويضيف فوستر أنَّ الهيكل الذي تحطم يتكون من هياكل خشبيَّة كل واحدة منها مصنوعة من شجرة بلوط منفردة، إذ بلغ مجموع الأشجار المستخدمة فيها 1300 شجرة، وهذا سبب تسميتها بالغابة التي نادراً ما تمت زيارتها، لذلك فهذه فرصة لإعادة بناء هيكل خشبي خفيف الوزن وبنظام مقاومة حديث للنار بدلاً من التي كانت ذات يوم مخفيَّة وتحطمت الآن، وستكون النتيجة مثالية لأنها ستشكل مزيجاً يسوده الاحترام ما بين هيمنة الماضي وأفضل ما في الحاضر.
 
التجديد تدمير ثقافي
أما رئيس ومؤسس شركة آدم للإعمار روبرت آدم أكد أنَّ الناس تقول إنها احترقت بالكامل وينبغي علينا أن نضيف لها شيئاً معاصراً، وهذا ضرب من الهُراء فهي ليست مجرد بناية بل إنها أثرٌ ثقافي جميلٌ ورمزٌ للفرنسيَّة، وتوصل المهندسون المعماريون الى أنَّ سبب هذه الفكرة السخيفة هي التغيرات التكنولوجيَّة، وينبغي أنْ يعكس الفن المعماري هذه التغييرات، لكنَّ الثقافة هي كيف نؤمن بأنفسنا ونعرّف هويتنا، فالثقافة لا تُنقل بسرعة وإنما في الواقع تُنقل بشكل بطيء جداً، والخلط بين هذين الأمرين خطأ خطير.
ويجب على المهندسين أنْ يفعلوا مثل ما فعل مهندسو مدينة يورك الانكليزية عندما شهدت كاتدرائيتها حريقاً مشابهاً عام 1984 حين أعادوا بناءها ولم يتمكن الناس من ملاحظة الفرق، فإنَّ الفكرة المجنونة بأنَّ أي تغيير أو عمل جديد ينبغي أنْ يحمل طابعاً معاصراً يفسر غالباً بأنَّ الأشياء تحتاج أنْ تكون بشكل مختلف فتبدو للناس بأنها حديثة، وقد يكون مزعجاً إذا خلط الناس بينهما وأنا لا أراه مزعجاً جداً، فلمن ستقدم الرؤية فعلاً؟ هل لأناس أكثر غباءً وجهلاً؟، على أية حال ينبغي أنْ يبنى بشكل مختلف تماماً عما تم بناؤه سابقاً بحيث لا يمكن أنْ يخطئه الناس، وإلا عند ذهابك الى كاتدرائية ماينستر في يورك ستتعرف مباشرة على ما هو الجديد إذا كنت خبيراً.
وقد يكون تطبيق نظرية الحداثة أو التجديد السخيفة على هذا المبنى تدميراً ثقافياً مساوياً تماماً لتدمير المبنى.
هوية نوتردام
وتساءل مهندس صيانة مختص بالمباني التاريخيَّة مارتن آشلي عن احتمالية إعادة بناء برج نوتردام المدبب بشكل مشابه تماماً لما كان عليه؟ وهذا ممكن نظرياً لكونه مدبباً فهو هيكل معقد جداً، ويتصور مارتن انه محفوظ بشكل جميل في مختلف صور الاستعراضات الفوتوغرافية والرقمية، والسؤال ما اذا كان هناك مهارات حرفية لتنفيذ هذا؟، وبالتأكيد فإنَّ أعمال النجارة والحديد لإكساء السقف جميعها قابلة للتنفيذ مرة اخرى.
إنَّ الترميم هو نوعٌ من التدمير بطريقة ما، ففي أثناء ترميم المباني سيُهدم تاريخها الماضي، وما على سكان باريس فعله الآن هو شيء يعود للحاضر ولهذه الثقافة، فضلاً عن إضافة فصل جديد للتسلسل الزمني الذي ضمته البنية التاريخية للكاتدرائية، فهي فرصة لإضافة شيء ما يتسم بسياق عميق لكنه فخمٌ وملائمٌ جداً وموح للغاية لكن بشكل 
مختلف.
وبينت رئيس ومؤسس شركة AL-A اماندا ليفيت بأنَّ التاريخ لا يزال شاخصاً، فكاتدرائية نوتردام استغرق بناؤها قروناً عدة، والحريق الآن أصبح جزءاً من هذا التاريخ، بمعنى أنَّ هوية نوتردام تتمثل ببرجيها وارتفاع شبابيكها ومزاريبها ولهذا فإنَّ برجها المدبب هو المكان الطبيعي المعبرعن شيء ما ويمثل رمزاً لشيء آخر.
وتتساءل اماندا ما الذي يعبر عنا الآن؟ أو من هم الشعب الفرنسي الآن؟
وماذا تمثل لنا الكاتدرائية؟ ولمن تعود؟، لقد تم بناء نوتردام في الوقت الذي كانت الكاتدرائية تعدُّ هي الدولة وليس كما هي الحال الآن، فهذا المبنى يعود للفرنسيين وهي بمثابة الروح لفرنسا شئنا أم 
أبينا.
ولقد اتخذنا وجهة نظر جوهرية في ما يتعلق باقتراحنا عندما اضفنا لمتحف فيكتوريا وألبرت، فكانت مسؤوليتنا هي حماية تراث البناية ومن جهة اخرى كان علينا بثَّ روح جديدة فيها والحفاظ على صلتها بالثقافة، قوة الاختلاف تلك لا تعني فكر الحداثة، ونحن بحاجة لنكون على ثقة لما وصلنا اليه ولا نفتخر بحاضرنا فقط بل بمستقبلنا
ايضا.
 
آراء وتدبير استثنائي
وأشار احد شركاء شركة روجرز ستيرك هاربور الاميركية ستيفن بارييت الى انهم يحيّون بالفرنسيين علاقتهم بالحداثة، التي مكنت لممارسات مشابهة لممارساتنا بالمساهمة بطريقة ما وهذا قد يكون اكثر إشكالية في لندن، فكان تصميم المركز الوطني للفنون والثقافات جورج بومبيدو موضوعاً لمسابقة مفتوحة ايضا، وفاز بها مهندسان معماريان شابان هما ريتشارد روجرز ورينزو بيانو وهذا ما غير حياتيهما.
إنَّ رؤية صور الكاتدرائية بدون سقف ذكّرت ستيفن ايضا بكاتدرائية كوفنتري حيث المنظر الاستثنائي عند رؤية السماء، ويعتقد اليوم بانه من الممكن عمل شيء مضيء جداً وشفاف بالسقف ما قد يمنحه تأثيراً قوياً، ويمكن إظهار جميع هذه الخواص فيه.
وكيفما تم بناؤها، ينبغي ان تحتوي على اضاءة مبهرة وتدبير استثنائي للوسائل، فإنَّ عمل شيء بدون أي موارد هو تحدٍ كبير في عصرنا، لكن إضافة التلألؤ للمبنى هو ما تحتاجه لتكون أشبه بالمنارة.
أما مسّاح البُنية في كنيسة وستمنستر بطليموس دين فأوضح أنَّ الجميع سيركزون على "ما هو الشكل الجديد للبرج المدبب؟"
لكن في الواقع ينبغي التركيز على كيفية المحافظة على ما هو موجود قبل كل شيء، فنحن لا نريد ان نخسر شكل القبو القوطي الاصلي الموجود في الداخل، لأنه سيقودنا الى معرفة ما هي مساحة السقف المستخدمة له، فهي مساحة شاغرة كبيرة جدا في الطابق العلوي للكاتدرائية، والسؤال الذي يتبادر للذهن هل هناك شيء مبتكر يمكن ان نستخدمه فيه؟.
وفي النهاية ترك الجميع الموضوع المتعلق بالبرج المدبب، اما بالنسبة لبطليموس فإنَّ الموضوع أعمق قليلاً من إضافة شيء في البرج وجعله تعبيراً عن الفكر الحديث، ويعتقد أنَّ هذا مرتبطٌ بوظيفة مساحة السقف، فمن الممكن عمل شيء مدهش يشرح قصة الحريق برمتها ويكشف بعض الاشياء عن الأقبية
القوطيَّة.
عن صحيفة الغارديان البريطانية