صالح الشيخ خلف
عندما كان الرئيس الاميركي دونالد ترامب يقول ان الاتفاق النووي الذي توصلت اليه المجموعة السداسية الغربية مع ايران عام 2015 بانه « اتفاق سيء » كان يقصد مايقول . وعندما قال بانه « وفى بعهده » بعد توقيعه على وثيقة الانسحاب من هذا الاتفاق كان ايضا يقصد مايقول . الرئيس ترامب ومعه اركان الادارة الاميركية الحالية يعلمون جيدا ان هذا الاتفاق هو افضل اتفاق تم مع الجانب الايراني لكبح طموحات ايران النووية شاركت فيه ليست اكبر ست دول في العالم وهي اعضاء مجلس الامن الدولي اضافة الى المانيا ، وانما الوكالة الدولية للطاقة النووية التي تشرف على جميع البرامج النووية العالمية اضافة الى مجلس الامن الدولي الذي رعى هذا الاتفاق بالقرار 2231 . الوكالة الدولية ساهمت بوضع نظام رقابي مشدد بشأن البرنامج الايراني وتم حصر هذا البرنامج في انتاج الطاقة والاستخدامات السلمية التي لا تحتاج الى اكثر من نسبة تخصيب اليورانيوم بمعدل 3.65 بالمئة وهو ما يجعل البرنامج « آمناً » من الناحية التقنية . ساعد على ذلك القرار الاممي الصادر من مجلس الامن الدولي 2231 والذي اعطى غطاء قانونيا للاتفاق ظَمَن عدم فرار ايران من التزاماتها النووية . وبذلك فان الاتفاق لم يكن « اسوأ اتفاق دخلت فيه الولايات المتحدة » كما عبر عنه الرئيس الاميركي وانما هو وضع ايران على « سكة شراكة » في منطقة الشرق الاوسط مع الدول الست الكبار في العالم وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين اضافة الى المانيا .
صحيح ان المجموعة الغربية بما في ذلك الولايات المتحدة اتفقت مع ايران على خوض مفاوضات جديدة بعد الاتفاق النووي لتسوية الملفات الشرق الاوسطية كالارهاب والنفوذ الايراني في المنطقة ، لكن الصحيح ايضا معارضة جهات اقليمية على اعطاء ايران هذا الدور من دون ان يمر من نافذتهم الخاصة .
الجهات الاقليمية تتجسد في طرفين هما اسرائيل والسعودية . الكل يتذكر نتنياهو الذي وقف على منصة منظمة الامم المتحدة وهو يتحدث عن الطموح النووي ليذكر الاسرة الدولية ان ايران تريد تدمير اسرائيل في خطوة تحريضية ضد المفاوضات التي كانت تجرى على قدم وساق بين ايران والمجموعة الغربية ، ولذلك لم يكن يقتنع نتنياهو بهذا الاتفاق لانه لا يمر من النافذة الاسرائيلية وبعبارة ادق لا يضمن « الامن الاسرائيلي » . اما السعودية فانها ارسلت وزير خارجيتها انذاك الامير سعود الفيصل ليجتمع بوزير الخارجية الاميركي جان كيري لمدة ثلاث ساعات على متن الطائرة التي اقلته الى مطار فيينا في الوقت الذي كان فيه كيري يخوض مع فريقه مفاوضات ماراثونية مع نظيره الايراني محمد جواد ظريف في فيينا . لم يقتنع كيري بما طلبه الفيصل بوقف المفاوضات من دون الحصول من طهران على ضمانات بالحد من نفوذ ايران الاقليمي متبجحا بعدم قبول الجانب الايراني بذلك في هذه المرحلة من المفاوضات . اقترح الفيصل تأجيل التوصل لاتفاق لمدة ستة اشهر وستعمل السعودية خلال هذه الفترة الى خفض اسعار النفط وبذلك يستخدم النفط كسلاح في المفاوضات ضد ايران للقبول بالحد من نفوذها في المنطقة وهو ما كانت السعودية تطمح اليه لتحقيق « الامن الاقليمي » الذي هو في جوهره « الامن السعودي » ، وهو ما قبل به كيري وتم تأخير التوصل الى الاتفاق مع انخفاض اسعار النفط التي وصلت الى مستوى 35 دولاراً ، لكن ايران اصرت على موقفها وتم التوصل الى اتفاق في جعل المفاوضات مستمرة لتأخذ ابعادا امنية وعسكرية في مراحلها اللاحقة .
« الامن الاسرائيلي » ضمنه نتنياهو خلال الانتخابات الرئاسية الاميركية التي دخلها الرئيس ترامب وبذلك كان من بين الشروط التي طرحها اللوبي الصهيوني في داخل الولايات المتحدة لدعم الرئيس ترامب . اما « الامن السعودي » فانه حصل خلال الزيارة المثيرة التي قام بها الرئيس ترامب بعد فوزه في الانتخابات للرياض عام 2016 وحصوله على 460 مليار دولار كما نقل الرئيس ترامب خلال لقائه ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان في واشنطن . وفي حقيقة الامر عندما نتحدث الان عن وساطات لخفض التوتر بين واشنطن وطهران وفتح باب المفاوضات بين الجانبين فان ذلك يعني مفاوضات مباشرة على خلفية « الامن الاسرائيلي » و « الامن السعودي » . مرشد الجمهورية الاسلامية علي خامنئي خص خلال ثلاث خطب في 4 و5 حزيران الحالي لوضع تصور ايراني بشأن « الامن الايراني » برسم الادارة الاميركية وبرسم الوساطات التي تريد دخول هذا الخط كما انه رسم خارطة ايران الاقليمية قبل ان يفكر الرئيس ترامب بكتابة رسالته لايران ان كان يفكر بذلك .