تطور الشعر الشعبي

ثقافة شعبية 2024/05/23
...

 وجدان عبدالعزيز

دراسة أي أمة من الأمم، أو شعب من الشعوب، لابد أن نذهب للاطلاع على الإبداعات الشعبية، كون التراث الشعبي يتمثل بالعادات والتقاليد ومايعبرون عنه من آراء وأفكار ومشاعر تناقلها جيل إلى آخر، وبكل تأكيد يتمثل بالحكايات الشعبية، كما في الأشعار والقصائد وقصص البطولة والأساطير، وكذا الفنون وغيرها..
إذا التراث هو ماخلد من الأجيال السابقة إلى الأجيال اللاحقة، ولاشك يكون عبرة من الماضي، يستقي منه الجيل الحاضر ما يجعله فخرا لهذه الأمة، والحقيقة هو علم ثقافي قائم بذاته يختص بقطاع معين من الثقافة، ويلقي الضوء عليها من زوايا تاريخية وجغرافية واجتماعية ونفسية، من هنا نجد ان نشوء الشعر الشعبي جاء لحاجة ثقافية وجمالية في الأساس، تستهدف مخاطبة البسطاء، والتفاعل مع مناسبات حياتهم، والتعبير عما يجيش في أعماقهم، لذا أصبح الشعر الشعبي العراقي بمختلف أنواعه وبحوره معلماً من معالم الثقافة الشعبية الأكثر انتشاراً في العراق، وما جعل الشعر الشعبي خالدا عبر التاريخ، هو تنقله على ألسنة العراقيين في جميع المواقف، التي تحدث لهم. بحيث صار الشاعر الشعبي صوت الشعب ورسّامهم ونحّات تجاربهم في البيت والعمل والحياة، وكان أبرز الشعراء في مراحل الشعر الشعبي في سنينه التالية، مثال مظفر النواب وعريان السيد خلف وكاظم الكاطع وعزيز السماوي وغيرهم وكان سبب شهرتهم، هو تفاعل هولاء الشعراء الشعبيين مع تفاصيل الأحداث اليومية وهموم الناس، وبصورٍ فنية وشعرية يفهمها أبناء النخب والمناطق الشعبية على حدٍّ سواء، وسمي الشعر الشعبي عندنا في العراق بالنبطي لاستنباطه من الشعر العربي الفصيح ، أو وقد يطلق عليه اسم الشعر البدوي، وذلك لأن مفرداته مستمدة من اللهجة البدوية الدارجة، وحين نحاول القول في علة نشوء هذا النوع من الشعر، فقد جاء في المجلد الأول من تاريخ ابن خلدون: "فسد لسان مضر ولغتهم التي دونت مقاييسها وقوانين
أعرابها.
وفسدت اللغات من بعد بحسب ما خالطها ومازجها من العجمة. فكانت تُحيل العرب بأنفسهم لغةً خالفت لغة سلفهم من مضر في الإعراب جملة، وفي كثير من الموضوعات اللغوية، وبناء الكلمات، وكذلك الحضر وأهل الأمصار"، وهذا النص الذي ذكره ابن خلدون يؤكد قدم هذا النوع من الابداع الشعري، وكيف نشأ، أي علة نشوئه، ومنذ ذلك الحين بقي الشعر الشعبي في العراق ينافس الشعر الفصيح، محققا أهدافه في التعبير عن أراء وأفكار وتطلعات الشعب، لأنه يعطي صوراً صادقة عن حياة الناس، وما يشعرون به ويمارسونه في سلوكياتهم اليومية، من أفراح وأحزان.
كما أنه يعكس الحياة العاطفية لاجيال الشباب العاطفية، وهذا ما يجعلهم يميلون إليه أكثر، وحتى انه قابل للغناء اكثر من الشعر الفصيح، وذكر له الدارسون إلى أكثر من اثنين وأربعين نوعاً أشهرها العمودي والحر والدارمي والزهيري والأبوذية والعتابة، والعراق اشتهر بالشعر الشعبي، كاشتهاره بالشعر الفصيح، فمثلا يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش: (الشِّعْرَ يُولَدُ في العراقِ، فكُنْ عراقيّاً لتصبح شاعراً يا صاحبي!)، وصار الأدباء العرب يلقبون العراق ببلد الشعر والشعراء، أو "بلد الشعراء".
وهذا اللقب لا ينحصر في الفصيح فحسب، بل يشمل أيضاً الشعر الشعبي لما أنجب من اسماء لامعة ومهمة، كما أشرنا من اسمائه المهمة مظفر النواب ويأتي بعد مظفر مباشرة تلميذه وزميله في السجن والشعر والحياة فيما بعد عريان السيد خلف، ولعريان أبيات مشهورة يقول
فيها:
(يلتمن عليه مشتتات البال
        وانفضهن نفض وانهض ولا جني
    لا غرْني المدح بشفاف المحبين
        وما همني الشمّاتة شما حجوا عني)
وهكذا تصاعدت اهمية القصيدة العراقية الشعبية بما اتصفت به من جزالة المفردة، وأخذت مداها للتعبير عن مفردات الحياة اليومية ناهيك عن المناسبات الوطنية، ولاسيما الأغنية العراقية ومنذ الخمسينيات والستينيات حيث كانت قصيدة مظفر النواب: (مو حزن لكن حزين) التي غناها سعدون الجابر وياس خضر، ومن القصائد البارزة، التي وجدت طريقها في الأغنية العراقية قصيدة "الريل وحمد" للنواب وقصيدة "اشتاق لي" لعريان السيد خلف، وتعاقبت أجيال من الشعراء الشعبيين حتى يومنا هذا بتطور كبير حتى أصبح الشعر الشعبي جزءاً كبيراً ومهماً من حياة الفرد العراقي بمختلف
طبقاته.