داعش يفتك بالبنية الاجتماعية للطاجيك
تيمور عمروف
ترجمة: بهاء سلمان
خلال الاسبوع الأخير من شهر آذار المنصرم وقع هجوم إرهابي في مدينة كروكوس القريبة من العاصمة الروسية موسكو، وتبنى تنظيم «داعش في خراسان» في بيان لاحق مسؤولية الهجوم الذي قتل وأصاب العشرات من الروس.
كان مطلقو النار المشتبه بهم في هجوم مدينة كروكوس مجموعة من المسلحين من جمهورية الطاجيك، الأمر الذي تسبب في رد فعل عنيف ضد العمال المهاجرين في روسيا. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تتأثر العلاقات بين طاجيكستان وروسيا.
وحمل الهجوم بصمة تنظيم داعش قبل إعلان فرعه في مناطق وسط آسيا (تنظيم الدولة الاسلامية في خراسان) المتمرّكز في أفغانستان مسؤوليته عن الهجوم الإرهابي الذي وقع يوم 22 آذار على قاعة الحفلات الموسيقية وسط مدينة كروكوس بالقرب من موسكو.
ومعظم المشتبه بهم في الهجوم هم من طاجيكستان. ويتواصل انتشار التطرّف بين بعض المسلمين في آسيا الوسطى منذ سنوات عديدة، وقد تعلّمت تنظيمات عديدة الاستفادة الكاملة من أفكاره كما هو الحال مع (تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان)، الذي كان منسيا إلى حد كبير في روسيا حتى الهجوم المميت الذي وقع قبل عدة أسابيع.
وتتجلى هذه العملية بشكل حاد عبر طاجيكستان التي تعد أفقر دولة مسلمة في المنطقة، ويبلغ إجمالي عدد سكان البلاد عشرة ملايين فقط. فبحلول مطلع شهر آذار الماضي، قال الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمون إنه خلال السنوات الثلاث الماضية، ارتكب 24 طاجيكيا لهجمات إرهابية في عشر دول، وبعضهم خططوا لتلك الهجمات.
لا تعد أسباب التطرّف الفكري الديني في البلاد من الأسرار؛ فطاجيكستان هي الدولة الوحيدة في آسيا الوسطى التي عاشت حربا أهلية حديثة نسبيا، بين العامين 1992 و1997. وتشير بعض التقديرات إلى أن عدد القتلى خلال تلك الحرب الوحشية قد وصل إلى مئة ألف شخص. كما يعد الوضع الاجتماعي والاقتصادي في طاجيكستان أيضا من أسوأ الأوضاع التي تشهدها آسيا الوسطى، حيث تحتل البلاد المرتبة 162 على مستوى العالم من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب دولة هايتي الواقعة ضمن دول أميركا الوسطى. ويعيش أكثر من سبعين بالمئة من الطاجيك ضمن المناطق الريفية، حيث تنتشر حالات زواج القاصرين وتعدد الزوجات والبطالة بين النساء.
نتائج متوقعة
وفي عصر الرقمنة والشفافية العالمية، يؤدي الفقر وعدم المساواة إلى تفاقم الشعور بالظلم، تعيش طاجيكستان نظام شديد الشمولية وسطشيوع حالات الفساد الاقتصادي، حيث يمتلك أسرة رحمون كل شيء ذي قيمة تقريبا، ولا تخشى التباهي بثرواتها. وعلى مدى ثلاثة عقود من وجود تلك الأسرة في السلطة، تمكّنت الحكومة من تدمير كل أشكال المعارضة؛ وهذا يعني أنه لم تعد هناك أي طرق قانونية لمحاربة الظلم، ليبقى هناك طريق واحد فقط أمام معارضي النظام؛ هو التطرّف للتعبير عن رفض أشكال الحكم الراهنة.
ولطالما نظرت الجماعات الإرهابية الدولية إلى طاجيكستان باعتبارها أرضا خصبة للتجنيد. تنتج وسائل الإعلام التابعة لتنظيم داعش خراسان مواقع تستخدم اللغة الطاجيكية، حيث ينشر المشرفون مواد دينية ومنشورات سياسية تنتقد رحمون لقربه الشديد من روسيا، واستبداده، ولأنه ليس متدينا بما فيه الكفاية. كما تدير هذه الجماعة قنوات لتطبيق تليغرام باللغة الطاجيكية فضلا عن حسابات تيك توك.
وقد أسفرت كل هذه العمليات عن نتائج، حيث قام تنظيم داعش خراسان بشن عدة عمليات إرهابية على امتداد طاجيكستان نفسها. وفي عام 2019، عبر عشرات المقاتلين إلى عمق طاجيكستان قادمين من أفغانستان وهاجموا نقطة حدودية على الحدود مع أوزبكستان. وقبل ذلك بسنة، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن قتل مجموعة من راكبي الدراجات الغربيين كانوا يتجولون عبر جبال طاجيكستان؛ كما كان التنظيم الارهابي وراء أعمال شغب حصلت داخل سجنين وسط طاجيكستان أسفرت عن مقتل العشرات من السجناء والحراس.
كما كان هناك عدد متزايد من الهجمات الإرهابية خارج البلاد والتي نفذها مسلحون من الطاجيك؛ ففي بداية العام الحالي، قتل انتحاريان طاجيكيان ما يقرب من مئة شخص جنوب غرب إيران عندما فجرا نفسيهما وسط حفل تأبين الذكرى السنوية لمقتل القائد الايراني قاسم سليماني والذي أقيم في منطقة بالقرب مقبرته. كما وقعت هجمات إرهابية نفذها الطاجيك في أفغانستان، وكانت هناك محاولات فاشلة استهدفت كلا من ألمانيا وتركيا.
ووصل حال تأثير التطرف إلى مستوى من الخطورة لدرجة أنه حتى ضباط الأمن الطاجيكيون انضموا إلى تنظيم داعش، وكان أكثرهم شهرة هو قائد شرطة مكافحة الشغب الطاجيكية «غولمورود خاليموف» الذي أقسم بالولاء لتنظيم داعش في العام 2015. ولم يكن خاليموف على دراية بجهاز الأمن الطاجيكي فحسب، بل كان قد تلقى كذلك تدريبات أمنية لدى كل من الولايات المتحدة وروسيا؛ ومن المرجح أنه لقي حتفه سنة 2020 في سوريا.
ضرورة المساعدة الخارجية
وتدرك السلطات الطاجيكية جيّدا أنها لا تستطيع معالجة هذه المشكلة بمفردها، لذا فهي تتعاون مع مجموعة من البلدان الأخرى عندما يتعلّق الأمر بالقضايا الأمنية. والتعاون مع روسيا ثنائي، حيث تستضيف طاجيكستان أكبر قاعدة عسكرية أجنبية لروسيا، وعبر منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها موسكو. وتساعد الصين طاجيكستان في بناء قواعد للشرطة على الحدود مع أفغانستان، وتساعد الولايات المتحدة لمعالجة أمن الحدود؛ وتستأجر الهند مطارا لمصلحة مواجهة الطاجيك للإرهاب، كما تعمل ايران على افتتاح خط لتجميع طائرات الدرون لكي تعمل ضمن سلاح الدولة المواجه لتنظيم داعش.
ومع ذلك، فإن هذه التدابير لا تفعل الكثير لوقف التطرّف في المجتمع الطاجيكي؛ ولم تتمكّن العاصمة «دوشنبة» من التوصل إلى أي شيء سوى مواجهة التطرف بالقمع القاسي، الذي يدفع المشكلة إلى الخفاء المؤقت، وغالبا ما يؤدي إلى تفاقمها.
وعلى الرغم من العدد الكبير من الضحايا، فمن غير المرجح أن يغيّر الهجوم على قاعة الحفلات الموسيقية في مدينة كروكوس الروسية الطريقة التي تتعامل بها موسكو أو دوشنبة مع جماعات مثل تنظيم داعش. ومن الأسهل بكثير على موسكو تقليد النشاط المحموم من خلال استهداف المهاجرين من آسيا الوسطى، الذين يواجهون بالفعل التمييز الشديد والفساد والاذلال الممنهج. ولا تفعل روسيا أي شيء لمساعدة مهاجريها من الشباب الذكور من الجيل الأول، مما يعني أنهم يعيشون ضمن مجتمعات مغلقة ومعزولة ويصبحون عرضة للتطرّف.
وأدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى تفاقم الوضع، فقد أصبحت كراهية الأجانب هي القاعدة المشتركة بين ما يطلق عليهم وصف «الوطنيين»، ومدوّني الحرب، وغيرهم من الذين برزوا إلى الواجهة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية قبل أكثر من سنتين. والمؤسسة الأمنية الروسية معادية للمهاجرين بشكل خاص، وقد دفعت إلى تشديد تشريعات الهجرة خلال العامين الماضيين.
وبشكل عام، يؤيد المجتمع الروسي إجراء التدابير الأكثر صرامة لحفظ الأمن. ووفقا للاستطلاعات التي أجراها مركز ليفادا المستقل لاستطلاعات الرأي، ارتفعت نسبة الروس الذين يؤيدون فرض القيود على الهجرة من 57 بالمئة في سنة 2017 إلى 68 بالمئة بحلول سنة 2021. كما أن 26 بالمئة من المستطلعة آراؤهم لن يسمحوا للمهاجرين من آسيا الوسطى بدخول روسيا على الإطلاق. ويتفاقم الوضع لدى الأجهزة الأمنية التي تميل إلى بث دعاية غير متناسبة مع وضع الجرائم التي يرتكبها المهاجرون.
مشكلات جديدة
وقد واجه العمال المهاجرون من آسيا الوسطى في روسيا بالفعل ردود فعل عنيفة بعد التقارير حول تورط الطاجيك بالهجوم الارهابية سواء الميتدفة لقاعة الحفلات الموسيقية أو غيرها من المنشآت. وخلال الأيام التي تلت عمليات القتل، واجه العمال المهاجرون عمليات تفتيش طويلة على الحدود، وكانت هناك حالات رفض فيها المواطنون الروس ركوب سيارات الأجرة التي يقودها الطاجيك، فضلا عن مطالبة أصحاب مراكز التسوق بقوائم بأسماء الموظفين من آسيا الوسطى.
إن مقاطع الفيديو المسرّبة لضباط الأمن الروس وهم يتحققون من هوية الطاجيك الذين تم القبض عليهم على خلفية الهجوم، ومدى إصابات الرجال عندما تم تقديمهم إلى المحكمة، من شأنها أن تضفي الشرعية على القسوة الأكثر عمومية تجاه أولئك القادمين من آسيا الوسطى. واتّخذت سفارة طاجيكستان في روسيا خطوة تمثّلت بإبلاغ مواطنيها بالبقاء في منازلهم، بينما تنصح سفارة طاجيكستان رعاياها حاليا بعدم السفر إلى روسيا.
ومن جهة أخرى، من غير المرجح أن يغيّر الهجوم الإرهابي العلاقة الوثيقة بين موسكو ودوشنبة. وتواجه روسيا بالفعل نقصا حادا في حجم العمالة الوافدة، ولا تستطيع تعريض المصدر المتبقي للعمالة الرخيصة للخطر. وخلال خطابه بعد الهجوم، رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التقارير التي تفيد بأن المشتبه بهم هم من الطاجيك بالقول إن الإرهابيين «ليس لديهم جنسية» فالإرهاب لا يحمل هوية وطنية محددة. وتدور شكوك روسية إلى وقت قريب، وصلت إلى مستوى الخطاب الرئاسي الروسي، الذي كان أكثر حرصا على التركيز على توجيه أصابع التوّرط الأوكراني غير المؤكدة في الهجوم الذي حصد ارواح العشرات.
وتحدث الرئيس الطاجيكي رحمون أيضا مع الرئيس بوتين، وتبرأ من مواطنيه الذين من المتوقع أنهم مسؤولون عن الحادث الاجرامي. وتعهّد الرئيسان أيضا بتعميق العلاقات الأمنية، على الرغم من أنه من الصعب تصوّر كيف يمكن للرجلين تعميق تلك العلاقات بدرجة أكثر. لكن مدى فعالية هذه العلاقات تبقى مسألة مختلفة، فهل إن كلا من هذين النظامين الأمنيين المتقدمين في السن قادران حقا على منع الهجمات الإرهابية؟ أم أنهما متهمان أكثر بالتهديدات الوهمية وتعزيز قبضتيهما على
السلطة؟
موقع مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي