غاز الميثان يخنق الأرض

بانوراما 2024/05/27
...

  سيث بورنشتاين
  ترجمة: بهاء سلمان

تفرز آبار النفط والغاز الطبيعي وخطوط الأنابيب والضاغطات العاملة في الولايات المتحدة الأميركية ثلاثة أضعاف كميات غاز الميثان القوية الحابسة للحرارة التي تعتقد حكومة الولايات المتحدة بوجودها، وهي تسبب أضرارا بيئية تقدر بأكثر من تسعة مليارات دولار سنويا، وفقا لحسابات دراسة أميركية مستفيضة أجريت مؤخرا. غير انه وبسبب أن أكثر من نصف هذه الانبعاثات من غاز الميثان تصدر من عدد ضئيل جدا من مواقع النفط والغاز الاميركية النشطة، تصل نسبتها إلى واحد بالمئة أو أقل منه بقليل، فهذا يعني أن المشكلة هي أسوأ مما كانت تظنه حكومة الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه يمكن تثبيتها على نحو واضح، كما يشير كبير مؤلفي الدراسة.
الأمر نفسه يحصل على مستوى العالم، فقد زادت حوادث انبعاثات غاز الميثان الكبرى التي جرى التحرّي عنها في عموم مناطق  العالم بنسبة خمسين بالمئة خلال العام الماضي مقارنة بسنة 2022 التي سبقته، خاصة مع ظهور أكثر من خمسة ملايين طن متري تم اكتشافها ضمن تسريبات كبرى للوقود الاحفوري (حقول النفط والغاز الطبيعي)، بحسب تقرير أصدرته وكالة الطاقة الدولية مؤخرا ضمن نشرتها لتقفي أثر مناطق انتشار غاز الميثان عالميا للعام 2024.
وارتفعت انبعاثات هذا الغاز على مستوى العالم بنحو بسيط خلال العام 2023 إلى 120 مليون طن متري، وفقا لما ذكره التقرير.

تسريبات غير مسيطر عليها
“هذه الدراسة تمثل واقعا فرصة لايقاف الانبعاثات النشطة لغاز الميثان بشكل سريع تماما مع جهود تستهدف هذه المواقع ذات الانبعاثات العالية،” كما يقول “ايفان شيروين”، رئيس فريق البحث، ومحلل شؤون الطاقة والسياسة لدى مختبر لورنس بيركلي الوطني التابع لوزارة الطاقة الاميركية، ويضيف: “إذا ما تمكنا من أن نسيطر على هذه المواقع التي تصل نسبتها إلى واحد بالمئة تقريبا، فعندها سنكون في منتصف الطريق لتحقيق نتائج ملموسة، وذلك لأن تلك المواقع تؤلف نحو نصف الانبعاثات الميثانية في أغلب الحالات.”
ويشير شيروين أن الانبعاثات سريعة التبخر لغاز الميثان تأتي من انتاج الحقول للنفط والغاز فضلا عن نظام التسليم لمخلفات المنتوجات الوقودية المختلفة، بدءا من احتراق الغاز.
هذا النتائج السلبية تظهر من خلال ما تطلقه الشركات من الغاز الطبيعي إلى الهواء كناتج عرضي في الحقول النفطية، أو تحرقه بدلا من احتواء الغاز المصاحب لعملية الانتاج والذي ينطلق جرّاء عمليات الاستخراج.
وتوجد هناك أيضا تسريبات غازية ضخمة عبر منظومة النقل بأكملها، والتي منها الخزانات والضاغطات وخطوط الأنابيب، كما يقول الباحث شيروين. “واقعا، الأمر يحتاج ببساطة إلى معالجة متعددة الأدوار.”
وبحسب ما توصلت إليه الدراسة كنتائج عمومية، فإن نحو ثلاثة بالمئة من الغاز الأميركي المنتج يذهب سدى كضائعات إلى الهواء، مقارنة مع مؤشرات وكالة حماية البيئة التي تقدر الضائعات النسبة بواحد بالمئة فقط.
ويشير شيروين إلى وجود كميات ضخمة، تقدر بأكثر من ستة ملايين طن من الغازات الضائعة في كل ساعة، وقد تم احتسابها كتسريبات خلال وقت النهار؛ ومن المحتمل أن تكون الكمية أقل خلال ساعات الليل، بيد أنهم لا يملكون تلك الحسابات.
وقد توصلت الدراسة إلى ذلك الرقم من خلال استخدام مليون مقياس عشوائي من خلال طلعات الطائرات التي طارت فوق 52 بالمئة من آبار النفط الاميركية، و29 بالمئة من حقول الغاز ومواقع أنظمة التوزيع على مدار عقد من الزمن.
ويوضح شيروين بأن نسبة الثلاثة بالمئة للتسريبات تعد متوسطة لما هو موجود ضمن ستة مناطق كانت قد خضعت للبحث فيها، وإن فرق البحث لم تقم بحساب المعدل الوطني للهدر في الطاقة المنتجة.
يقدر غاز الميثان المحصور على مدى العقدين الماضيين بنحو ثمانين مرة أكثر من كمية ثاني اوكسيد الكربون، إلا إنه يبقى في الغلاف الجوي لما يقارب من عقد من الزمن بدلا من مئات السنين مثلما هو الحال مع ثاني اوكسيد الكربون، وفقا لوكالة حماية البيئة.

تعهدات دولية
ويقول “كريستوف ماكليد”، رئيس وحدة إمدادات الطاقة في وكالة الطاقة الدولية، إن نحو 30 بالمئة من حجم ارتفاع درجة حرارة العالم منذ عصور ما قبل الصناعة كان سببه انبعاثات غاز الميثان، مضيفا أن الولايات المتحدة هي المصدر الأول لانبعاثات غاز الميثان الناتج عن عمليات استخراج النفط والغاز، كما إن الصين تدخل ضمن نفس المسار الملوث للبيئة نتيجة لانتشار المزيد من غاز الميثان المتخلف عن وقود الفحم.
مع حلول أواخر كانون الأول الماضي، أصدرت إدارة بايدن قائمة جديدة من التعليمات التي تجبر المرتبطين بصناعة النفط والغاز الطبيعي الأميركية على خفض انبعاثات غاز الميثان.
وفي الوقت نفسه، وخلال مفاوضات الأمم المتحدة بشأن المناخ التي استضافتها دبي مؤخرا، تعهّدت خمسون شركة نفطية من جميع أنحاء العالم بالوصول إلى ما يقرب من نسبة الصفر المئوي من انبعاثات غاز الميثان وانهاء عمليات حرق الغاز الروتيني خلال عمليات انتاج الوقود بحلول عام 2030.
ومن شأن اتّفاق دبي أن يخفض نحو عشر الدرجة المئوية، أي ما يقرب من عشري درجة فهرنهايت، من ارتفاع درجات الحرارة خلال المستقبل القريب، حسب تصريحات عالم مناخ بارز للصحافة.
ويبدو أن مراقبة غاز الميثان من الأعلى، بدلا من المواقع الأرضية أو الاعتماد على تقديرات الشركة المنتجة للوقود، أصبح اتجاها متزايدا. ففي وقت سابق من شهر نيسان الماضي، أطلق صندوق الدفاع البيئي القائم على السوق بالتعاون مع هيئات أخرى قمرا اصطناعيا إلى المدار الأرضي القريب لأغراض مراقبة انتشار غاز الميثان في الجو.
وبالنسبة لشركات الطاقة، يعد غاز الميثان المفقود ذا قيمة كبيرة، حيث تقدر دراسة شيروين أن قيمته تبلغ أكثر من مليار دولار سنويا تقريبا.
وقال ماكليد من وكالة الطاقة الدولية إنه كان من الممكن تجنب نحو 40 بالمئة من انبعاثات غاز الميثان العالمية من النفط والغاز والفحم من دون الحاجة لأي تكلفة إضافية، وهي “فرصة ضائعة هائلة”. وقال تقرير وكالة الطاقة الدولية إنه إذا نفذت الدول ما وعدت به في مؤتمر دبي الأخير، فيمكنها خفض نصف التلوّث العالمي بغاز الميثان بحلول عام 2030، لكن الإجراءات المتّخذة حتى الآن لن تؤدي إلا إلى تقليص 20 بالمئة فقط، وهي “فجوة كبيرة للغاية بين الانبعاثات والإجراءات”، وفقا لماكليد.

بحوث منطقية
ويقول “روبرت هوروث”، باحث الميثان بجامعة كورنيل، والذي لم يكن جزءا من دراسة شيروين: “من الضروري تقليل انبعاثات غاز الميثان إذا أراد العالم تحقيق الأهداف المناخية.”
ويضيف هوارث، الذي يقوم بتحديث الأرقام في دراسة قادمة لدمج البيانات الجديدة: “إن تحليل الباحثين منطقي، وهي الدراسة الأكثر شمولا حتى الآن بخصوص هذا الموضوع.”
وتظهر بيانات التحليق أن أكبر التسريبات لغاز الميثان موجودة ضمن منطقة حوض بيرميان النفطي في تكساس ونيو مكسيكو.
تقول شيروين: “إنها منطقة ذات نمو سريع، مدفوعا في المقام الأول بإنتاج النفط؛ لذلك عندما تحدث عمليات الحفر، يخرج النفط والغاز مباشرة، لكن المادة الرئيسية التي ترغب الشركات في بيعها في معظم الحالات هو النفط. ولم تكن هناك سعة كافية لعمل خط أنابيب خاص لسحب الغاز الناتج عن العملية بعيدا، لذا كان من الطبيعي ان يطلق العمال هذا الغاز في الهواء بدلا من السيطرة على المخلفات النفطية.”
في مقابل ذلك هناك معدلات التسرّب الصغيرة الموجودة خلال أعمال الحفر ضمن منطقة دنيفر ومنطقة بنسلفانيا الأميركيتين.
ويقول شيروين إن التسريبات في دنيفر منخفضة للغاية بسبب اللوائح المحلية المطبقة بصرامة، كما أن ولاية بنسلفانيا أكثر توجها نحو الغاز.
وهذا يظهر مشكلة حقيقية فيما تطلق عليه الباحثة “غابرييل بيترون” اسم “البواعث الفائقة”، وهي عالمة في مجال مراقبة غاز الميثان التابعة للجمعية الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.
وتضيف هذه الباحثة التي اطلعت على الدراسة الخاصة بانبعاثات الميثان: “أن الكشف عن الانبعاثات الفائقة وإصلاحها بشكل موثوق هو ثمرة سهلة المنال لتقليل انبعاثات غازات الدفيئة الحقيقية.
هذا مهم للغاية لأن هذه الانبعاثات تعد فائقة للغاية لكن يتم تجاهلها من قبل معظم الحسابات الرسمية.”
ويقول “روب جاكسون”، عالم المناخ بجامعة ستانفورد، والذي اطلع على الدراسة ولم يكن أيضا جزءا منها: “هناك عدد قليل من المنشآت تتسبب بتسمم الهواء للجميع، وعلى مدى أكثر من عقد من الزمن، اظهرنا أن بعض الصناعات تنبعث منها كميات من الميثان أكثر بكثير مما تعترف به هي أو الدوائر الحكومية؛ وهذه الدراسة هي دليل رئيسي، ومع ذلك لا شيء سيتغيّر.”

وكالة اسيوشيتد برس الاخبارية