حكماء سنجار: حرق المحاصيل ينذر بتهديد السلم المجتمعي

العراق 2019/06/09
...

 
بغداد / عمر عبد اللطيف  الموصل / شروق ماهر
 
 
تتواصل حرائق حقول ومزارع الحنطة والشعير منذ عدة أسابيع في عدد من المحافظات، لتستهدف يوم أمس الأحد قضاء شنكال (سنجار) شمال غرب الموصل أسفرت عن مصرع فلاحين إثنين وإصابة إثنين آخرين وتضرر مساحات واسعة، فضلا عن احتراق إحدى الحاصدات، وفيما أطلقت إدارة القضاء مناشدات للحكومة الاتحادية وإقليم كردستان والمجتمع الدولي بالتدخل العاجل لإغاثة شنكال والمتضررين فيه، حذرت هيئة حكماء القضاء من عودة الأوضاع الى ما كانت عليه عام 2014، طالب عضو مجلس النواب عن محافظة نينوى حسين حسن نرمو بضرورة فك ازدواج الحكومتين القائمتين في سنجار لتفادي المشكلات التي تحصل نتيجة لتعدد السلطات.
 
تماس كهربائي
وقال قائممقام قضاء شنكال، محما خليل، لـ"الصباح": إن "حريقين كبيرين اندلعا في قضاء شنكال فجر الأحد، الأول في الأراضي الزراعية في قاطع جنوب جبل شنكال بمنطقة سولاخ والثاني في ناحية الشمال مرورا إلى قرى أم الخباري وخازوكة والساير وصولا لأطراف ناحية ربيعة"، لافتاً إلى أن "سبب الحريقين يرجع لتماس كهربائي في أسلاك ومحولات الطاقة".
وأضاف خليل أن "الحريقين انتشرا بسرعة كبيرة في الأراضي المزروعة بالحنطة والشعير وأضرا بمساحات شاسعة"، مبيناً أن حريق ناحية الشمال (سنوني) أسفر عن مصرع إثنين من الفلاحين حاولا إخماد النيران".
وأشار خليل إلى أن "أحد الحريقين امتد في القرى بين ناحية الشمال باتجاه ناحية ربيعة"، مبينا أن "القوات الأمنية وفرق الدفاع المدني رغم إمكاناتها المحدودة قدمت ما بوسعها في سبيل إخماد النيران إلا أن تلك المحاولات لم تجد نفعاً بسبب الحرائق الكبيرة وضعف الإمكانيات المتاحة". 
قائممقام القضاء الذي ناشد الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان والتحالف الدولي والمنظمات الدولية بـ"التدخل العاجل لإغاثة القضاء والمتضررين جراء الحرائق"، شدد على "ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات لعدم تحول شنكال لأرض محروقة"، موضحاً أن "المناشدات السابقة لجميع الأطراف الحكومية والدولية لإغاثة القضاء لم تلق أية آذان صاغية لغاية الآن".
 
عودة النازحين
وقدم قائممقام قضاء سنجار مشروعا للحكومة الاتحادية وحكومة نينوى المحلية، يتضمن جدولا زمنيا لعودة النازحين الى مناطقهم.وقال خليل، في بيان تلقته "الصباح": ان "المشروع تضمن عدة نقاط مهمة من شأنها ان تغلق ملف النازحين بشكل كامل والى الأبد، ويضمن الاستقرار في مختلف المجالات لمناطقهم، موضحا، ان "الاحصائيات الدولية اشارت الى ان الايزيديين يمثلون 30 بالمئة من مجموع النازحين الكلي في كل العراق".
واضاف خليل ان "هذا المشروع هو مشروع وطني متكامل لضمان السلم المجتمعي والاستقرار الأمني، بعد ان عانى النازحون من ويلات الحروب والقتل والدمار والسبي الذي تعرضوا له"، مشيرا الى ان "النازحين سيكونون عيونا أمينة وسندا للقوات الامنية وضمانا حقيقيا لعدم عودة الدواعش بعد القضاء عليهم بفعل الضربات والجهد الاستخباراتي".
واوضح ان "عودتهم هي تحقيق للمصالحة الوطنية والاستقرار، في حين ان بقاءهم على هذا الحال مشردين ومنفيين بمثابة عدم استكمال للانتصار على داعش".
وتابع انه من "المؤسف ان تكون هناك أموال تصرف على هذا الملف، لكن تصرف في مكان ليس في محله، لذا من واجب الحكومة ان يتم تعويض النازحين لاشعارهم باهتمام الدولة بهم، وبالتالي سيكونون عيونا ساهرة جنبا الى جنب مع القوات الامنية"، موضحا ان "المشروع تم تسليمه الى الحكومة، التي وعدت بالرد عليه بعد العيد مباشرة".
من جانبه، اتهم النائب عن المحافظة حنين القدو، جهات سياسية لم يسمها بافتعال حرائق حقول الحنطة والشعير بالمحافظة لاسباب غير معروفة، مشيرا الى ان حقول سهل نينوى والحمدانية وتلعفر هي الاكثر تضررا.
وأوضح القدو، في تصريح صحفي، أن "مسلسل حرائق حقول الحنطة والشعير اثبت انها كانت بفعل فاعل من خلال الحصول على فيديوهات تؤكد وجود اشخاص وعجلات تقوم بعملية الحرق".
واضاف القدو انه "لا يستبعد قيام جهات سياسية بهذا الفعل السيئ الذي يضر بطبقة الفلاحين وبالاقتصاد الوطني والامن الغذائي لاسباب غير معروفة"، رافضا الإشارة إلى تلك الجهات.
ولفت القدو إلى أن "مناطق سهل نينوى والحمدانية وتلعفر الاكثر تضررا من تلك الحرائق حيث طالت الاف الدونمات المزروعة بمحصولي الحنطة والشعير". 
 
يأس واحباط
بدوره، قال عضو هيئة حكماء القضاء محمود الاعرجي، في حديث لـ"الصباح": ان هناك أملاً بعودة اهالي سنجار إلى القضاء بعد حصاد محاصيلهم الزراعية واعادة اعمار منازلهم التي تضررت بسبب الارهاب، الا ان الحرائق اتت على كل شيء واصابت المواطنين باليأس والاستياء من أوضاع القضاء وغياب الأمن فيه.
واضاف الأعرجي أن المتسببين بالحرائق ليسوا اشباحا ويمكن القبض عليهم، الا ان ما يحصل "مدروس" بدقة وعناية فائقة، فبعد ان فشلوا في تفكيك النسيج المجتمعي في قضاء سنجار، ارادوا تكرار الحوادث التي حصلت في عام 2014 بعد احتلال عصابات "داعش" من حرب اقتصادية واجتماعية، مؤكداً على ضرورة اعادة انتشار الحشد الشعبي في هذه المناطق الممتدة من قضاء البعاج الى القيروان بعد انسحابه باوامر عسكرية نجهل اسبابها لغاية الان وبخاصة تعداد الفرقة 20 جيش عراقي، الذي حلّ بديلا للحشد، قليل جدا لا يمكنه السيطرة على الأوضاع في سنجار.
ولفت الأعرجي إلى أن الحرائق لا يمكن القول أنها طبيعية، ضاربا المثل بأحد الحراق أخمد في منطقة ليشتعل في اخرى وتكرر مثل هذا الحادث 3 مرات على التوالي.
 وعزا الاعرجي سبب حرائق القضاء لعرقلة عودة العوائل النازحة الى مناطقها الاصلية وافراغها من محتواها لكي تمر جميع المشاريع الدولية والاقليمية من بوابة سنجار بالتحديد، محذرا من تفجر أوضاع القضاء وعودته الى ما كان عليه عام 2014، مالم توضع حلول جذرية ناجعة من قبل الحكومة المركزية والمحلية.
 
ملف الادارة المزدوجة
من جانبه اكد عضو مجلس النواب حسين حسن نرمو على ضرورة حسم ملف الادارة المزدوجة في قضاء سنجار، رغم الكثير من الضغوطات التي تمارس على المسؤولين في بغداد لترك هذا الملف.
وذكر نرمو، لـ"الصباح"، ان ظاهرة حرق المحاصيل الزراعية شملت بعض المحافظات ومنها قضاء سنجار، الذي اكد اهاليه ان هذه الوفرة في الانتاج لم تتحقق منذ عام 1988، معرباً عن امله بعدم تكرار هذه الحالة في القضاء الذي عانى الامرين من سطوة عصابات "داعش" وجرائمهم تجاه المكون الايزيدي.
وأبدى نرمو تشاؤمه من الوضع الذي سيكون عليه القضاء خلال المرحلة المقبلة، لعدم جدية الحكومة المركزية في حسم ملف الادارة المزدوجة في سنجار، لافتاً إلى أن حسم ملف ادارة القضاء ضروري جدا وطالب به نواب محافظة نينوى خلال اللقاء برئيس الوزراء عادل عبد المهدي، الا ان هناك ضغوطات كبيرة تمارس لابقاء الوضع على ماهو عليه.
اما مستشار مركز الشرق الاوسط للتنمية والحريات الاعلامية ايهاب عنان سنجاري فقد عد حرق المحاصيل الزراعية في سنجار امتدادا للإبادة التي تعرضت لها المنطقة.
وأضاف سنجاري، في حديث لـ"الصباح"، أن نسبة العائدين الى قضاء سنجار لا تتجاوز 5 بالمئة من سكان القضاء الاصليين، مشيراً إلى أن العائدين إما أن تكون منازلهم قريبة من القطعات المتواجدة لحماية القضاء او ان ابناءهم جزء من القوات الامنية، في حين ان المناطق الأخرى في مركز القضاء سكنت من غير اهالي المنطقة الذين جاؤوا من القرى المحيطة كونها تقع في مناطق مفتوحة وعرضة لأي تعرض ارهابي مما اضطرهم للسكن في بيوت محترقة ومهدمة.
وتابع سنجاري أن حرق المحاصيل يأتي ضمن سلسلة جرائم اقتصادية بحق المزارعين من ابناء البلد، الا ان الوضع يختلف كثيراً في سنجار، كون المزارعين هناك كانوا يعقدون الامل على وفرة وغزارة الانتاج من اجل اعادة اعمار مدنهم، مشيراً إلى انه لا توجد لغاية الان اي مبادرة من قبل الحكومة المركزية لايجاد حلول سريعة للوضع في سنجار، بل ان الحكومة هي من تطالب الاهالي بايجاد حلول لاستقرار القضاء.
واوضح أن الوضع لا يزال غير مطمئن في القضاء ويحتاج الى تدخل حكومي سريع لفرض السلطة واعادة الامن والاستقرار اليه، كونه يخضع الان الى سيطرة جماعات مسلحة غير حكومية ترغب باعادة الوضع الى ماكان عليه في سنجار ويهمها ان تبقى الفوضى والنزاعات بين الاهالي.
 
أعمال إرهابية
إلى ذلك، عد مجلس محافظة الانبار، الاحد، عمليات الحرق التي طالت مزارع الحنطة والشعير في المحافظة بأنها لا تقل خطورة عن العمليات الإرهابية التي تمارسها عصابات "داعش"، مشيرا إلى وجود جهات لديها "نفوذ كبير" تقف وراء تلك الحرائق.
وقال عضو المجلس طه عبد الغني الهزيماوي، في تصريح صحفي: إن "عمليات حرق مزارع الحنطة في محافظة الانبار وبعض محافظات العراق الاخرى اعمال ارهابية لا تقل خطورة عن تنظيم داعش الاجرامي وكلاهما يصب في تدمير اقتصاد البلد بعد الانتعاش الكبير للواقع الزراعي". 
واضاف الهزيماوي ان "الجهات المسؤولة عن حرق محصول الحنطة تقف خلفها جهات لها نفوذ كبيرة كونها وقعت في اكثر من محافظة مما يدعونا الى مطالبة القوات الامنية بتكثيف الجهد الاستخباراتي"، مبينا أن "عمليات الحرق ادت الى خسائر جسيمة اثرت بشكل سلبي في الفلاحين واقتصاد البلد".