كريم هاشم العبودي
غالباً ما تواجه حواء ذات السؤال التقليدي: “متى سنفرح بكِ؟” إنه سؤال يتكرّر على مسامع الشابات العراقيات غير المتزوجات.. وقد يستفز بعضهن، لأن الأمر يعد لهن خطاً أحمر، أي شخصي، إذ إن هناك جملة أسباب ذاتيّة وموضوعيّة تؤخرهن للإقدام على هذه الخطوة في حياتهن، ليجبن بابتسامة خافتة، من دون الإدلاء بأي تفاصيل، في حين البعض الآخر من الإناث أمسى يجيب عن السؤال بثقة قائلا: {كل شيء قسمة ونصيب}.. ما يثبت أن الزواج لم يعد أمراً حياتياً محتوماً، بل هو خيار من الخيارات عند الأنثى القادرة على تقرير مصيرها.
يتفاوت سن الزواج في صفوف الفتيات من مدينة لأخرى ضمن الدولة الواحدة، ومن عصر إلى آخر، لكن التأخر في سن الزواج، أو العزوف عنه في المجتمع العراقي، لم يعد من الحالات العابرة، بل هو ظاهرة تعكس أسباباً عائدة للفتيات، مثل الاختلاف في التفكير والنظرة إلى مؤسسة الزواج، كما الرغبة في التحصيل العلمي والعملي، أو حتى الخوف من فشل الارتباط، الذي قد لا يسهل الخلاص منه في بعض الأحيان.. وأسباباً متعلقة بالمجتمع والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي مرت بالعراق طيلة السنوات التي تلت سقوط النظام السابق، مثل “غلاء المهور، والهجرة والبطالة وارتفاع تكاليف المعيشة، وغيرها”.
الظروف الماديَّة
وبحسب الاختصاصية الاجتماعية في مستشفى الصدر العام في بغداد زينب الساعدي فإنّ الزواج قرار لا يمكن التدخل فيه من طرف ثالث، من ثم، لا يصح تصنيف الزواج بالمتأخر أو المتقدم، لأنَّ هناك اشتراطات يتطلبها، مثل: الظروف المادية والمرونة النفسيّة للزوجين أي القدرة على التكيّف مع تغيرات الظروف الاجتماعية التي تطرأ على المجتمع العراقي، في غياب الاشتراطات المذكورة، يتأثر قرار الزواج لدى البعض، ولو أن التخطيط والاختيار الجيدين يمكنان الثنائي من الزواج.
الرغبة في الاستقلاليَّة
وعن ارتفاع نسبة العزوبيَّة لدى شبابنا وشاباتنا، توضح الناشطة المدنية ازهار الجنابي أسباب ذلك، قائلة إنّ “تفكير العامة يتبدّل، لا سيما النظرة إلى مؤسسة الزواج، التي لم يعد دخولها غاية وحيدة، بل هناك غايات أخرى، مثل الرغبة في الاستقلالية، ما يدفع الإناث إلى متابعة دراساتهن، والانخراط في سوق العمل، لتؤسس كل منهن حياة مستقلة وتعتمد على نفسها.
لذا، تفضل كثيرات اليوم العزوبيَّة، أو تأخير سن الزواج، حتى يحققن أنفسهن على الصعد الاجتماعية والمادية والمهنية”.
النجاح العلمي والعملي
من جهتها، تشير الدكتورة زينب الحاج إلى فكرة مفادها أن “هناك تناقضاً واضحاً في مجتمعاتنا اليوم، التي لا تُشجع على الزواج، بسبب النظرة السلبيَّة إلى هذه المؤسسة، ولو أن شرائح عدة لا تزال تعتبر أن دور المرأة الأساس هو تأسيس عائلة وتربية الأطفال، وتعدّ نجاح المرأة العلمي والعملي منقوصاً في حال العزوف عن الزواج وعدم تأسيس عائلة”.
وتضيف أنّه “في المجتمعات العربيّة، يفوق عدد النساء الرجال، الأمر الذي يعزز خيار الكثيرات بعدم الارتباط، لكن قد يترتب على ذلك في أعوام لاحقة تغير تركيبة المجتمع العراقي.. وارتفاع نسبة الشيخوخة بسبب عدم الإنجاب، على غرار المجتمعات الأوروبية.
يتسبب ذلك أيضاً، بمشكلات اجتماعية عدّة، لا سيما إمكانية الانحراف، وكسر القواعد السائدة في مجتمعاتنا العربية لا سيما مجتمعنا العراقي، فضلاً عن زيادة نسبة الخيانة الزوجيّة”.
وتؤكد أنّه “على الرغم من كل الأحاديث السلبيّة عن الزواج، تبقى هذه المؤسسة مهمة، فالإنسان يسعى بصورة فطريّة، إلى الارتباط.
صحيح أن العلاقة الزوجيّة قائمة على التضحية، ولا تخلو من خلافات ومناوشات، لكن لا مناص من العمل على إنجاح هذا الرباط من الطرفين”.
وتتابع: أنّ “مرحلة الشباب أمست واضحة المعالم في تطور ونمو الفرد وتكوين شخصيته، بعبارة أخرى سابقاً كنا نعيش مرحلة الطفولة، وهناك مرحلة الطفولة المتأخرة إلى حدٍّ ما، تليها مباشرة مرحلة النضج، إذ كان المجتمع يعد الزواج بوابة هذا النضج، أما اليوم، فإنّ الشباب عبارة عن مرحلة سيكولوجية اجتماعية، وليست عمريّة، في حياة الفرد، ولهذه المرحلة متطلباتها ومستلزماتها من مقومات العيش”.
التطور الاجتماعي والثقافي
ويوضح الباحث الاجتماعي خالد الكبيسي أسباب تأخّر الزواج لدى الفتيات، وهو يقول: يمكن أن يكون نتيجة تأخر زواج بعض الفتيات يعود لأسباب عدة، وتختلف هذه الأسباب من فرد إلى آخر وتعتمد على الثقافة والظروف الاجتماعية والشخصية منها، التعليم والمهنة.
ويقول: إذ يمكن أن يكون التركيز على التعليم العالي والحصول على مهنة مستقرة ومستقلة هو أحد العوامل التي تؤدي إلى تأخر الزواج بالنسبة لبعض الفتيات، كذلك التطور الاجتماعي والثقافي، إذ تغيّرت القيم والتوجهات الاجتماعية، وزاد التركيز على الاستقلالية الشخصية وتحقيق الذات، مما يؤدي إلى تأخر الزواج للفتيات، فضلا الى أن بعضهن يسعين للاستمتاع بفترة من الحرية الشخصية واستكشاف الحياة قبل الارتباط.
وهناك أيضا، كما يتابع، مسألة الحالة المادية والقدرة على بناء مستقبل مالي مستقر هي أحد العوامل التي تؤخّر الزواج، إذ إن أغلب النساء يسعين لتحقيق الاستقلالية المالية قبل الارتباط لتحقيق الأمان والاستقرار المالي، وقد يُعزى تأخر الزواج أيضًا إلى توفر العديد من الخيارات البديلة للعلاقات غير الزوجيَّة، مثل العلاقات العاطفيَّة والعمل والأصدقاء المقربين، مما يجعل البعض يؤجّلون الزواج.
ويذكر أنَّ هذه الأسباب ليست قاعدة ثابتة، وهناك استثناءات وتفسيرات فرديّة لكل حالة يجب أن تحترم اختيارات الأفراد وظروفهم الشخصية عند التحدث عن تأخر الزواج.