قوباد طالباني
انقسم سكان السليمانيَّة بشأن مشروع سكني جديد على سفح جبل "گويژة" في المدينة. يعود الانقسام إلى أنَّ تياراً من الناشطين يرى المشروع مضراً بالبيئة، ويدافع تيار آخر عن بنائه بدعوى أنَّ المخاوف البيئيَّة لا تبرر تعطيل مشروع قد يكون الأجمل في العراق، ويغير وجه السليمانيَّة.
لست بصدد مناقشة الجوانب الإيجابية أو السلبية لهذا المشروع، هذه مسؤولية الخبراء وأصحاب الشأن من الجهات المعنية الذين من واجبهم تغذية الرأي العام النشط بالمعلومات المطلوبة بكل شفافية.
بدلاً من ذلك، وفي مناسبة اليوم العالمي للبيئة، سأبحث في الصورة الأكبر لهذا الجدل الصحي، لأنه فرصة عظيمة للخوض في نقاش يتجاهله كثيرون، عمداً أو من دون قصد.
رغم الانتقادات التي طالتني وتطول السلطات في السليمانية، بسبب مشروع جبل "گويژة"، فإنَّ هذا الانقسام أثار شعوراً بالفخر والتفاؤل، لأنه يشكل ضغطاً على السلطات السياسية والإدارية من أجل الاهتمام بالبيئة.
من أعماق قلبي، أنا سعيد بهذا الحماس تجاه القضايا البيئية والضغط الذي يمارسه المواطنون، وآمل أن يشمل هذا الوعي البيئي العراق كله.
ورغم إدراكنا منذ سنوات طويلة المخاطر المتوقعة لتغير المناخ، فإنَّ التقارير والدراسات المحلية والدولية تحذرنا كلَّ عام من كوارث كبرى لا يمكن إصلاحها. ومع ذلك، فإنَّ سياساتنا ونظام حكمنا في العراق وكردستان ما زالت غير مبالية بشكل كبير، وبدرجة تثير القلق والذعر.
أود أن أوضح أنَّ السلطات السياسية والحكومية ستبذل جهداً أكبر لو مارس المواطنون والمجتمع المدني ما يكفي من الضغط، لأنَّ المشكلة اليوم لم تعد تقتصر على الهجرة القسرية لعشرات الآلاف من الأسر في جنوب العراق ووسطه، والاتساع المخيف لرقعة التصحر، والانخفاض غير المسبوق للمياه السطحية والجوفية، بل تتفاقم إلى كوارث بيئية مستمرة دون اهتمام من أي جهة، وكأنها مصيبة تحدث في كوكب آخر، لا نعيش فيه.
لا أتردد في القول إنَّ خطر التدهور البيئي أكبر بكثير من خطر الإرهاب، لأنَّ وجود الجماعات الإرهابية مؤقت مهما طال، وعواقبه انتقالية مهما كانت مؤلمة، لكنَّ هذا التدهور قد يكون مزمناً وبعيد المدى، لا يمكن إصلاحه أو وقف تهديده الذي سينال حتماً من الأجيال المقبلة.
ليس لدي أدنى شك حين أقول إنَّ المزيد من التدهور البيئي يشكل مصدراً لعدم الاستقرار في المستقبل بشكل دائم، كما أنه سيفرض علينا عدالة مؤلمة وغير مرغوب فيها، عدالة في توزيع المعاناة والأضرار بالتساوي، فالعواقب لن تترك منطقة أو إقليماً دون أن تشمله بالبؤس.
إنَّ تقلّص فرص العيش في جنوب العراق، بسبب الهجرة القسرية وما يتبعها من عدم استقرار، سيضرّ بمدن الوسط وإقليم كردستان. كما أنَّ تراكم الغبار والنفايات والمواد السامة في منطقة "تانجرو" بالسليمانية، ليس ضارًا فقط بالبيئة وصحة المواطنين في هذه المدينة، بل يؤدي إلى تلوث النهر الذي يصب في دربندخان، حيث السد الضخم الذي يغذي وسط العراق وجنوبه بالمياه.
لذلك، إذا اختلفنا على العديد من السياسات والتوجهات، فإنَّ القضية البيئية يجب أن تجعلنا متحدين ومتفقين. وبمقدار اهتمامي بحل مشكلة "تانجرو" في السليمانية من موقع مسؤوليتي في إقليم كردستان، ينبغي أن يسعى المسؤولون في الحكومة الاتحادية وفي البصرة والأنبار للمساهمة في حلها، ويجب أن أكون أنا وأصدقائي في الإقليم قلقين على مستقبل الأهوار في الجنوب.
رغم قتامة الصورة وصعوبة الموقف، ثمة نور يُرشدنا إلى الطريق الصحيح. إنَّ القضية البيئية خطيرة بقدر ما هي فرصة لجميع العراقيين لفهم مصيرهم المشترك، وإدراك المخاطر المحدقة، وفتح الأعين على التهديدات المستقبلية المشتركة.
وفي هذا الصدد، أودّ الإعلان عن مبادرة لجميع القوى والفعاليات السياسية، والجهات المعنية في الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، لعقد مؤتمر عن مخاطر البيئة في جميع مناطق العراق وكردستان، سنناقش مشكلة "تانجرو" ونحدد أماكن أخرى في العراق تعاني التلوث، ونضع آليات لحلّها ضمن مشروع تخصص له موازنة كافية وخطة عملية شاملة لتنفيذه.
هذه الخطوة ستلزمنا بأن نعمل معاً لسنوات مقبلة، حتى نجني ثمار المشروع بالنجاة من كوارث بيئية تهدد العراق والعالم أجمع.