عضو فلكة

ثقافة شعبية 2024/06/06
...

كاظم غيلان

تزخر الذاكرة الشعبية بوقائع، بعضها مر وآخر حلو، وفي كل الأحوال ظلت ترافق أحاديثنا سواء تلك التي تنتمي لماضينا أو حتى حاضرنا.
بقدر ما تخضع أحياء سكنية كبيرة أو صغيرة لتسميات، تفرضها الدولة من خلال مؤسساتها، إلا أن تسميات تجيء وتشاع بعفوية شعبية خالصة. بل وأحياناً تطلق على شخصيات حكومية أو سياسية، فعلى سبيل المثال علي حسن المجيد ولفرط اجرامه سمي بـ(علي كيمياوي)، حين استخدم السلاح الكيمياوي في إبادة الأكراد، التسمية لم تطلقها مؤسسة معنية بحقوق الإنسان، إنما شعبية عفوية مقصودة رافقته لقبره.
في منتصف تسعينيات القرن الماضي شغل مسؤولية أمانة بغداد مهندس اسمه (قاسم)، أراد ان يضفي جمالاً لمعالم بغداد، فولع بانشاء النافورات التي تسهم بتلطيف الأجواء، خاصة لمثل هكذا أيام ترتفع بها درجات الحرارة و- تسمط سمط- فأطلق عليه - قاسم نافورة- ورحل الرجل عن الدنيا بحادث غرق، بإحدى البحيرات وتردد بأنه حادث مدبر، ولا أدري إن اقلقت النافورة نظاماً حكمنا لأكثر من ثلاثة عقود بالنار والحديد!.
صباح الخياط مغنٍ شعبي يحظى بمحبة الناس وبمقدمتهم سكنة منطقته (حي اور) أنشأ ستوديو تسجيلات فيها يحمل اسمه، تقابل محله (فلكة)، فأطلق الناس عليها اسمه بعفوية عاشت ليومنا.
ولا أدري إن بقيت تسجيلاته ام لا، المهم الفلكة بقيت تحمل اسمه بينما تغيرت حكومات.
وعلى ذكر الفلكة تذكرت هذه الحادثة:
انعقد في مسرح الرشيد مؤتمر انتخابي للشعراء الشعبيين لاختيار قيادة جمعيتهم أواخر التسعينيات، وبعد غلق باب الترشيح طلب رئيس المؤتمر وقتها الدكتور صباح ياسين مصادقة أعضاء المؤتمر- الهيئة العامة، وذكر اي اعتراض إن وجد، فانبرى أحدهم إن لم تخنِ الذاكرة كان ضمن شعراء كركوك، وهو من الذين استفادوا من مغريات تعريبها وقتذاك، معترضا على اسم المرشح الشاعر(عباس الحميدي) متهما اياه بالسخرية من الحزب والثورة!.
طبعا هذه تهمة ترسل عنق صاحبها لحبل المشنقة وحين استفسر رئيس المؤتمر من المعترض عن الكيفية أجاب بالحرف الواحد:
- استاذ انا عضو قيادة فرقة بالحزب، وهذا عباس كلما يشوفني يكلي: بعدك عضو فلكة؟.
ضجت القاعة بالضحك ولاحت ابتسامة على ملامح رئيس المؤتمر، وللأمانة تصرف بنوع من الحكمة والدماثة مع الشكوى، معتبراً إياها قضية شخصية لاعلاقة لها بالضوابط القانونية.
وهكذا أفلت الحميدي، ليس هذا فقط إنما انقلب السحر على الساحر، فقد حصل الحميدي على أصوات ناخبين كثيرة بينما افلس عضو (الفلكة) منها.
الحميدي توفاه الله بحادث غامض للآن، ورئيس المؤتمر استاذا بإحدى جامعات الاردن حسب علمي الان، اما الرفيق عضو (الفلكة) فلا ادري إن اصبح اليوم عضوا في (فلكة) جديدة ام لا.
الدنيا دوارة.. أليس كذلك؟.