سفاح عبدالكريم يخاف كشف اللعبة

ثقافة شعبية 2024/06/06
...

 وجدان عبدالعزيز

لا شك أن مشهدنا الثقافي العراقي بعد سقوط الدكتاتورية، اخذت تتوسع رقعته الثقافية في كل فنون الابداع، واخص بالذكر الشعر الشعبي، فرغم محدودية انتشار هذا النوع من الشعر خارج العراق، كونه أخذ اللهجة العراقية الدارجة مطية له، الا انه اثبت جدارته في تقديم صور شعرية استثنائية جذبت له القارئ المتمرن في تحليل وتسجيل جملته المغايرة، وقلت القارئ المتمرن المحلل، ذلك الذي يقرأ ويقرأ، ثم بعد ذلك يطرح رؤاه النقدية، فإذن قبالة المبدع صاحب الفرادة، هناك قارئ يحاول مسايرة الابداع، لهذا توسعت مساحة المشهد الثقافي العراقي بعد سقوط النظام من خلال تخلصه من الرقيب الداخل في مسامات أنامله، ولما كانت اللغة، هي الحاملة لأغصان شجرة الابداع والثابتة بجذورها، تراكمت عليها المعارف عمقا، وعلى أسطحها ظهرت الجماليات المختلفة، بتنا نحن القراء تطاردنا الإبداعات بجمالها ولا نستطيع الإلمام بها، وهذا إقرار بعجز النقد عن اللحاق بقافلة الإبداع الثرية، وأثبتت لغتنا العربية بهذا انها حاضنة لكل الأنساق الإبداعية الحديثة في كل رؤاها المكانية والزمانية، تأخذنا الى مناطق تأملات عميقة، لا سيما في الجملة الشعرية المازجة المعرفة بالمهارة الذاتية، وهي تعلن عن لحظاتها الابداعية المتوهجة داخل القصيدة، هذه مقدمة لقراءة قصيدة الشاعر سفاح عبدالكرية المسمات (الجهات الأربعة)، والتي يعلن فيها اصالة النفس وقوة وقوفها امام زحف سيئ يحاول زحزحتها، عما هومتأصل فيها، فروح الشاعر بقوله: (أمرايه روحي إو جامها الصافي ايتحسر)، صافية تتلألأ فيها جماليات الاستقرار الثابت المتأصل، كما في قول الشاعر: (طيبتي من
أهلي اورثتها/ من سجايا الخيل المأصله التدنگ للشلب)، واضاف بقوله:
 (صوتي بيه همسة حبايب
وأمي وصتني إعله كيفك من تحب
صاحيه الغيره البراسي، وآنه صرماية حچي او طوري عذب
بعده ذاك المستحه ايطرز إرموشي
وعايز إشوية وفه حتى أقترب)
فذات الشاعر اصيلة كالخيل الاصيلة، ثابتة كماهي الجهات الاربعة، لكن (عايز إشوية وفه حتى أقترب)، فقد تكون جمل الشاعر اعطت بنية سطحية، تقابلها بنية عميقة، هاجمت بسلاح الثبوت المتأصل حالات العقوق من الآخر.. ثم يقول الشاعر عبدالكريم:
(حاير ابيا صوت أغني... حتى من أخسر أظل ساكت چذب
أصرخ إو مامن مجيب اليروي بستاني وآنه الصاير عِشب
إمخضره ابدربي الليالي وانتچيت إعله الوطن حسبالي اشب
عوز يمي التم عليه إمن الجهات الاربعة واشلون أهب)
وهنا عكس حيرته، ورغم ان الحيرة والحزن ينتابانه، بجمال وهو الغناء بقوله: (حاير ابيا صوت أغني...)، وهنا اثبت ان العراقي كالعنقاء الطائر الذي لا يموت بسهولة، حيث العنقاء صفة مشبهة تدل على الثبوت، بقي الشاعر يغني رغم حزنه التليد، وبهذا خلق حالة توتر بين صوره المغايرة، وحينما نتمعن، ونغوص في مكنونات التجربة الجمالية والفنية الخاصة للشاعر، كما وشتْ بها نصوصه في إطار سياقات معرفية وفكرية عايشها فعلاً، ثم مقاربة طريقته الممايزة في ابتكار جماليات مرتبطة بتلك التجارب والخبرات الخاصة، تظهر لنا حيرته انه اختار الغناء، لكن ايما صوت يختار صوت الحزن، ام صوت الفرح، وهنا بقي الشاعر يداري حيرته، وهكذا استمر قائلا:
(الساتر الله.. اتراب بيه ريحة مقابر
والهوى المر عالارصفه ايحطني ابذنب
عندي إتدور الافلاك البعيده الذكرياتي الغاليه او جفني رطب)
ومن منطلق الحيرة، بقي يعالج قضايا الوطن وعلاقة الحب معه، ففي القراء التأويلية يبقى(العمل الأدبي يمر عبر سياقات تاريخية وثقافية مختلفة، مما يعني وجود معان جديدة ومختلفة يمكن تصورها في العمل، والتي لايمكن أن يكون المؤلف، قد تصورها، أو الجمهور المعاصر، إذ يتوقف ما ينقله النص لنا على طبيعة الأسئلة، التي نطرحها عليه، وعلى قدرتنا أيضاً على فهم السياق التاريخي، الذي كتب فيه النص، ويتم تأويل النصوص عبر مراعاة الكاتب، والنص، والسياق التاريخي، ويعتقد الناقد الأميركي "هيرش غونيور" أن النص الأدبي يمكن أن يعني أشياء مختلفة لأناس مختلفين في أوقات مختلفة، وأن أهمية النص يمكن أن تتغير عندما يتغير السياق)، فالشاعر سفاح عبدالكريم بقي ضمن حالة الحيرة والتردد، إلا أنه استطاع ان يقترب من رؤيته الخاصة بقوله:
(إمحايله اظنوني واشوف آنه السراب
امنين أجيب الفرح حتى أرجع شباب
الخاطر اليبچون أنا گمت اشتعل)
واخيرا لم يجد بد من انه يشتعل لينير الطريق، ويكشف حقيقة علاقته بالوطن والآخر.. متعكزا على جملته الشعرية التالية: (الوكاحه إهدوم شتويه او تلمني/ والدفو إبراسي واخاف اكشف لِعب)...جملة القول ان الشاعر ظل يحمل الحذر والخوف والحيرة، لانه ابن العراق الذي خرج من اعتى دكتاتورية عرفها تاريخه، وما زالت اثارها عليه..