أفارقة أميركا يدافعون عن مقابر أسلافهم

بانوراما 2024/06/09
...

 جيوفانا ديلورتو ودارين ساندز

 ترجمة: بهادء سلمان

كان الإهمال والهجر والتدمير هو مصير الآلاف من المقابر المعزولة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، حيث دفن الأميركيون من أصل أفريقي، سواء كانوا من العبيد السابقين أو السياسيين البارزين وأصحاب الأعمال، طيلة عقود عديدة. مؤخرا، أدى الوعي المتزايد واكتشاف المزيد من القبور تحت مواقف السيارات والمدارس، وحتى قاعدة للقوات الجوية، إلى تحفيز جهود الحفاظ على التراث بين الحكومات المحلية وكذلك أفراد المجتمع الذين يرغبون بإعادة بناء روابط الأجداد التي تعتبر ذات أهمية قصوى روحيا.

في واشنطن العاصمة، قام أعضاء في نادي نسائي تاريخي للسود بتعيين خبير ساعد للعثور على موقع دفن أحد مؤسسي النادي سنة 1919، والذي كان مخفيا عن الأنظار وسط قسم مهمل بشدة ضمن مقبرة وودلون. وفي ميامي، اشترى «جيسي وودن» مقبرة للسود معزولة تاريخيا، تعاني أيضا من الإهمال. كان لدى جيسي وشقيقه فرانك، الذي يعمل حارسا، دافعا قويا لمحاولة ترميم المقبرة؛ فهي تضم قبر والدتهما، فيفيان، التي توفيّت عندما كان جيسي رضيعا. يقول فرانك: «عندما وصلنا إلى هنا، بدا المكان وكأنّه غابة، واضطّر بعض الناس للقفز فوق السياج للوصول إلى أحبائهم.» «عندما يتم تدنيس مواقع الذاكرة الثقافية المقدسة، فإن ذلك يضيف صدمة إضافية إلى إهانة العزل حتى في الموت،» بحسب «برينت ليغز»، المدير التنفيذي لصندوق العمل للتراث الثقافي الأميركي الأفريقي.


تواصل مجتمعي

وقد لعبت هذه المجموعات أدوارا رئيسية في نشر الوعي بالتهديدات التي تواجه الحفاظ على المقابر، مثل التخريب المتعمّد والهجر والنزاعات على الملكية والتطوير. وتقدّم المجموعات الخبرة الفنية، فضلا عن الدعوة القانونية والحفاظ على التراث. يقول ليغز: «هناك وعي متزايد بين الجمهور بأن المقابر ليست أماكن مسكونة ومخيفة، ولكنها حدائق يمكن تجربتها كمواقع للتأمل وإحياء الذكرى.»

تقع مقبرة لينكولن ميمورال بارك ضمن حي براونزفيل في ميامي، ويدخلها الناس لتقديم الشكر وتوزيع الماء البارد للعمال الذين يقومون بإزالة الأعشاب الضارة وتنظيف وإعادة طلاء السراديب، والتي يعود تاريخ بعضها إلى أواخر القرن التاسع عشر.

بعد أن التقى جيسي وودن بالصدفة بإحدى عمّاته خلال أواخر الأربعينيات من عمره وعلم بمكان رقود والدته، حاول زيارة القبر، لكنه وجد المقبرة شاسعة ومليئة بالثعابين ومحاطة بالانقاض. والآن، عندما يأتي للمقبرة، يمر عبر السرداب وينشر أشجار البانيان للدعاء عند قبر والدته.

يقول جيسي: «لم أكن أعرفها طوال حياتي، وكل ما أعرفه هو أن أمي قد رحلت. بالنسبة لي، أن أتمكّن من القدوم إلى حيث تستريح وأكون قادرا على تلاوة القليل من الأدعية والتحدث معها، فهذا يعني الكثير بالنسبة لي.» أما «مارفن دان»، الأستاذ الفخري ومؤرخ العلاقات العرقية في جامعة فلوريدا الدولية، فيتذكّر زياراته خلال سنوات طفولته إلى قبر أم جدته لإجراء عمليات التنظيف الربيعية السنوية، عندما ساهم بوضع علامات على الموقع بزجاجات الكولا.


الارتباط بالماضي

يقول دان: «الطقوس كانت أمرا حتميا، فجدتي، على وجه الخصوص، لم تكن لتسمح بعدم تنظيف هذا القبر مرة واحدة في السنة على الأقل.» ويشير دان إلى أن مدافن أم جدته كانت تابعة لإحدى الكنائس، وكان من المرجح بقاء تلك المقابر نابضة بالحياة. ولكن عندما تم اقتلاع مجتمعات بأكملها، غالبا ما تم بيع المقابر المملوكة للقطاع الخاص الحاوية لأراضي ذات قيمة جديدة عالية إلى متعهّدي الأعمال دون أي إعتراض يذكر، ما يعني عدم العثور على مئات الآلاف من مقابر السود مجددا.

يقول دان: «المكان الذي ندفن فيه موتانا يظل جزءا من تاريخنا، ومن حياتنا، وأرواحنا. عدم معرفتك بمكان وجود أسلافك، يجعلك لا تتمكّن من التواصل معهم.. وهذه خسارة مأساوية.»

في عام 2022، أقر الكونغرس قانون الحفاظ على مقابر الأميركيين من أصل أفريقي ضمن خدمة المتنزهات الوطنية. كما أقرّت فلوريدا مشروع قانون لتمويل ترميم مقابر السود التاريخية. ويقول دان إنه على سلطات الولاية أيضا مساعدة العائلات لتحقيق امكانية الوصول إلى المقابر المملوكة للأفراد.«لا شيء يعلو فوق الكرامة،» كما تقول «أنطوانيت جاكسون»، الأستاذة بجامعة جنوب فلوريدا، والمشرفة على مشروع الدفن والتذكّر للأميركيين من أصل أفريقي في منطقة تامبا، حيث تم اكتشاف مقابر السود مؤخرا تحت موقف سيارات تابع لإحدى الشركات وحرم مدرسة.تضم أماكن أخرى من مدينة تامبا نحو 800 قبر للسود في مقبرة زايون، التي تأسست عام 1901 كأول مقبرة للسود فيها. وتعمل هيئة اسكان تامبا على إعادة تطوير مجمع سكني تم بناؤه فوق بعض القبور، بحسب «ليروي مور»، مسؤول العمليات في الهيئة. وتم استخدام الرادار المخترق للأرض لتحديد مواقع المقابر، حيث أغلقت خمس مباني فوق أرض الدفن، ونقل 32 عائلة، وهناك جهود للحفاظ على المنطقة وانشاء مركز لأبحاث الانساب. 

وكالة اسيوشيتد برس الاخبارية