غرب أفريقيا ومعاناة تغيّر المناخ

بانوراما 2024/06/23
...

 داميان كارينجتون

 ترجمة: بهاء سلمان

              أكدت دراسة أجريت مؤخرا الارتباط بين أزمة المناخ وموجة الحر الشديدة التي شهدها خليج غينيا هذا العام، حيث وصل مؤشر الحرارة إلى 50 درجة مئوية في بعض الأحيان، فما هي أفضل طريقة للتعامل مع درجات الحرارة المرتفعة هذه؟وشهد «تارلي»، وهو نجار يبلغ من العمر 52 عاما، زملاءه يغمى عليهم بسبب الحرارة التي تعج بضاحية أبوبو في ساحل العاج خلال الأشهر الأخيرة. «أول شيء أفعله عندما استيقظ هو الاستحمام. ولكن عندما أصعد إلى الحافلة الصغيرة، أشعر بالتعرّق بالفعل، ويبقى الأمر على هذا النحو حتى فترة الظهيرة.» ورغم أنه لا يحصل على «فترات إستراحة للتبريد» في العمل، لكنه يقول إن زملاءه يتوقفون أحيانا لشرب القهوة أو الشاي.

تعرّضت غرب أفريقيا هذا العام لموجة حارة شديدة، إذ تم تسجيل أشد درجات الحرارة في النصف الأول من شباط الماضي، وبلغت درجات الحرارة ذروتها بتجاوزها 40 درجة مئوية، وبلغ متوسطها 36 درجة مئوية. وكانت الرطوبة مرتفعة أيضا، ما يجعل من الصعب تبريد الجسم عن طريق التعرّق. ووصل مؤشر الحرارة، (مقياس يجمع بين درجة الحرارة والرطوبة ليعكس الشعور بالحرارة) إلى 50 درجة مئوية. وعلق «إيزيدين بينتو»، المختص ببحوث الطقس والمناخ المتطرّف في المعهد الملكي الهولندي للرصد الجوي بأن: «هذا أمر خطير للغاية على جسم الإنسان.»

أما «واسيو أديني إبراهيم»، المسؤول في وكالة الأرصاد الجوية النيجيرية، فيقول: «لقد حدثت موجة الحر خلال شهر شباط، وهو وقت مبكر من العام، ما يعني أن الكثير من الناس لم يتأقلموا مع الحرارة. ومع كل جزء من درجة واحدة من الدفء العالمي، ستصبح موجات الحر أكثر سخونة.»

على الصعيد العالمي، كان شباط الماضي هو الشهر الأكثر سخونة المسجّل، وهو الشهر التاسع على التوالي الذي يتم فيه تحطيم هذا الرقم القياسي. وأدت انبعاثات الكربون، التي تستمر في الارتفاع، وعودة ظاهرة النينو، إلى ارتفاع درجات الحرارة. وأصدرت منظمات الأرصاد الجوية في نيجيريا وغانا تحذيرات بشأن إرتفاع درجات الحرارة، لكن العديد من البلدان الأخرى المتضررة لم تستعد لحرارة خطيرة.


ظروف محفوفة بالخطر

وتقول «ماجا فالبيرغ»، مستشارة المخاطر في مركز المناخ التابع للصليب الأحمر والهلال الأحمر: «كثير من الناس لا يقدّرون مخاطر الحرارة، غير ان درجات الحرارة المرتفعة تمثّل قاتلا صامتا، فبامكانها أن تصير مميتة بشكل لا يصدق لكبار السن والأشخاص الذين يعانون من ظروف صحية غير مستقرّة والعاملين في الهواء الطلق. ويعيش نحو نصف سكان غرب أفريقيا أيضا ضمن مساكن غير نظامية، مما يجعل ملايين الأشخاص معرّضين بشدة للحرارة

المفرطة.»

وأشار مزارعون من ساحل العاج إن درجات الحرارة المرتفعة في شباط الماضي ونقص الأمطار ألحقا الضرر بالمحاصيل. وخلال شهر آذار الماضي، أوقفت مصانع الكاكاو في البلاد وفي غانا عملية التصنيع، أو خفضتها، لأنها لم تكن قادرة على شراء الحبوب، حيث إرتفع سعر حبوب الكاكاو إلى مستوى غير مسبوق تجاوز 8000 دولار للطن، أي أكثر من ثلاثة أضعاف سعره في آذار 2020.

وتوصّلت دراسة نشرت قبل عدة أسابيع من قبل علماء يعملون لدى مجموعة اسناد الطقس في العالم (World Weather Attribution)، أن موجة الحر كانت ستحدث أقل من مرة كل قرن وسط عالم خال من أزمة المناخ. وبدلا من ذلك، أصبح هذا الأمر يحدث مرة واحدة خلال كل عقد من الزمن، إذ بلغ متوسط الحرارة العالمية أكثر من درجة مئوية واحدة على مدى السنوات الأربع الماضية.

أثّرت درجات الحرارة المرتفعة على ملايين الأشخاص، لكن عدد الوفيات المبكّرة أو حالات المرض غير معلومة بسبب عدم الإبلاغ عن تلك الحالات. واستند تقرير مجموعة اسناد الطقس إلى بيانات الطقس ونماذج المناخ لمقارنة تواتر وشدة موجة الحر على كوكبنا الساخن مع تلك الموجودة في عالم لا يعاني من تسخين عالمي، وهي منهجية راسخة استخدمت في مئات الدراسات.


صعوبات جديدة

ويقول المخرج “ريتشارد لاما” إنه، مع فريق عمله، اضطروا إلى تكييف مواعيد التصوير مع درجة الحرارة، ويضيف قائلا: “كنا نشرع بالتصوير عند السادسة صباحا إلى التاسعة صباحا، لكن الآن أصبح ذلك غير ممكنا، لأنه بحلول الساعة التاسعة صباحا تكون الشمس حارقة.” وبدأ زملاؤه العمل في أماكن داخلية مزوّدة بسائل تهوية، بالإضافة إلى “أخذ فترات راحة للتبريد وحتى الاستحمام” في منتصف التصوير. أما داخل المنزل، فلم يكن الحال مختلفا كثيرا عن مواقع العمل، حيث يقول لاما: “لا أنا ولا أطفالي ننام جيّدا بسبب الحر. هناك شعور بعدم وجود الهواء.”

في لاغوس، المدينة الأكثر اكتظاظا بالسكان في نيجيريا، إستمر الناس بمعاناتهم من درجات الحرارة المرتفعة، حتى بعد تراجع موجة الحر. يقول يوسف، أحد سكان المدينة: “العمل صعب للغاية. أشعر بالجفاف طوال اليوم، لذا يجب أن أتوقف دائما لاجل شرب الماء.” ويؤثر الحر على عمله لأنه “لا يملك نفس القوة للخروج في جولات على الأقدام”، لأن وظيفته تنطوي على السفر إلى جميع أنحاء البلاد للقيام بزيارات ميدانية.

وأضاف تارلي من ساحل العاج: “كل ما يمكنني فعله هو فتح النوافذ والباب للسماح للهواء بالتدفق، ولكن حتى الهواء لا يتحرك.” ويقيم الأب تارلي مع طفل عمره عام واحد، يبكي ليلا بسبب الحرارة، وابنتيه المراهقتين، اللتين تستيقظان في منتصف الليل للاستحمام قبل العودة إلى السرير حيث ترقدان أمام المروحة. ومع ذلك، لا تزال الحرارة ملتصقة بالمكان، فهي لا تذهب بعيدا.

يقول تارلي: “في الرابعة صباحا، يكون الطقس أقل حرارة ويمكنك النوم بشكل أفضل، لكن يجب أن استيقظ للذهاب إلى العمل. عندما يكون الجو حارا ومختلطا بالرطوبة، حينها يتوقف الزمن.”


صحيفة الغارديان البريطانية