مراهقو روايات الفيديو.. خيالات وكآبة
اسرة ومجتمع
2019/06/11
+A
-A
بغداد/ مآب عامر
“اشاهد رواية كتبتها صديقتي”، بدت روان جلال (15عاماً) فخورة وهي تتابع عدد مشاهدات الفيديو على قناتها المشتركة مع صديقتها.
منذ عامين، روان وصديقتها تحرصان على صناعة فيديوهات مدرجة تحت صفة “التخيلات”، فاحداهن تكتب محتوى القصة والأخرى تهتم بالمونتاج، ثم بعد اكتمال الفيديو يقمن بنشره عبر قناة يوتيوب خاصة بهما.
تبتسم روان ملء وجهها مستذكرة بقولها” كنت انشر مقاطع لا يستغرق وقتها (20) ثانية لصور أو لمشهد قصير مرفق بأغنية عبر حسابي على الإنستغرام، ولم أكن احصل على مشاهدات تذكر“
جذب المشاهدات
وكانت اول مقاطعهما الفيديوية مترجمة عن اللغة الإنكليزية، وتضيف “ كنا قد استعنا في وقتها بمترجم غوغل، وقد واجهنا صعوبة شديدة بمثل هذه الطريقة، حتى فهمنا الفكرة من هذه الفيديوهات”.
وبهذا حولت روان غالبية “روايات” صديقتها التي اعتادت نشرها على مدونتها في تطبيق “أمينو” إلى فيديوهات تخيلية، تروي من خلالها أحداث متخيلة، تبدو كما الأفلام والمسلسلات ولكن البطل فيها شخصية صاحب المدونة والمغني أو الممثل المشهور، للتسلية وقضاء أوقات ممتعة.
و”أمينو” شبكة تساعد متصفحها في الوصول إلى منتديات ومجتمعات مختلفة على شبكة الانترنت.
كما وتتضمن الروايات المقصودة هنا والمتداولة بين هذه الفئة من المراهقين فيديوهات لمعزوفة موسيقية مرفقة مع صور لممثل أو مغن مشهور أو أية شخصية عامة وبعمر صغير يناسب اعمارهم، ملحقة أيضا بتعليقات لجمل تتيح لمخيلة المراهقة بناء محادثة معه عن طريق حادث مصادفة، وبهذا تبدأ قصة حبهما كما يحدث في الروايات الرومانسية.
ولكل مقطع فيديو أسلوبه الخاص، فبعد تصفح قنوات اليوتيوب تجد بعض منها معنونة (+ 18) ويبدو أن من أعد هذا الفيديو يمتلك من الجرأة الكثير، حتى تكون له القدرة على خلق محادثة جنسية، إلاّ ان البعض منها قد يحمل الرقم (+ 18)، لكن الصدمة تقع عندما تكتشف أن الكثير من هذه الفيديوات تخلو من موضوعات أو أفكار مخلة أو جريئة، وهذه تعد واحدة من احدى الطرق التي تستخدم لجذب المشاهدات وانتشارها على الانترنت، وخاصة بين الأعمار الصغيرة
إن قراءة البعض منها قبل النوم ممتع بالنسبة لأريج كرار (13عاماً) وخاصة المقاطع التي تخص نجمها المفضل، فهي لا تشاهد الفيديوهات فحسب بل وتشارك باختبارات التوافق وما هي إمكانية لقائها معه.
التخيلات الجريئة
وحسب مطلعين يتمتع المراهق بمخيلة خصبة، يعمد البعض منهم إلى استخدامها لبناء عوالم خاصة وسرية تمنح الشعور بإمكانية الحصول على أمور لا يجدها في الحياة الواقعية وهو بذلك يوجه الرفض الذي يتلقاه.
وتصف أريج شعورها بالمتعة البالغة حين تشاهد احد الفيديوهات وتجدها أفضل من متابعة المسلسلات التلفزيونية المملة بنظرها والطويلة.
وراح من المطلعين من يؤكد أن استخدام المراهق لخياله بهذه الطريقة يشكل ضرراً على ممارسته للحياة الواقعية وعلى الأخص فيما يتعلق بالتخيلات الجنسية والجريئة، وان من شأن فيديوهات التخيل أن تحفز خلق الأوهام لدى هذا المراهق.
وتعاني هنادي مضر “46عاما” من القلق بين الحين والآخر على ابنتها (13عاماً)، لأنها ترى اهتمامها الذي يشبه الهوس بأحد المشاهير، وكأنها تمر بتجربة لحبها الأول، وتقول إن: هذا مخيف فهي تجلس تتصفح صوره، كما وتتابع قصصاً وهمية عنه ومنها حقيقية في أغلب وقتها.
وتمارس هند بعض الوسائل الاحترازية تجاه ابنتها لتبعد عنها هذا الهوس، منها حرمانها بعض الوقت من هاتفها النقال أو تصفح شبكات الانترنت، وتحاول ملء فراغها قدر الإمكان بأشياء مغايرة، ولكن ابنتها “تعود بشغف أكبر لتصفح ما فاتها من مقتطفات حياة هذا المشهور”.
من الطبيعي أن تتعلق مثل هذه الأعمار بشخصية عامة مشهورة أو نجم معين وترى من خلاله فارس أحلامها ولكن بحدود معينة تتابع معها حياتها الطبيعية، وتستذكر هند أيام مراهقتها في السابق وحبها الكبير وتجميعها لصور المطرب المشهور “جورج مايكل” والتي ما زالت تمتلك البعض منها حتى الآن” كنت أعشق أغانيه، ولكن لم اتحدث عنه سوى مرات قليلة حينها”.
ولكنها ترى أيضا، ان ما تمر به ابنتها هو نوع من الهوس تتم تغذيته بمثل هذه الروايات والقصص التي تنشر من قبل أناس شديدي الهوس سواء بالمشاهير او بعدد المشاهدات.
يشعر والداي بالراحة
هند ليست الأم الوحيدة التي تعاني من هوس وميول ابنتها نحو العوالم الوهمية، إذ تنتشر حالات الهوس هذه بصورة بطيئة بين المراهقين وتختلف بعض الشيء عن مدمني وسائل التواصل الاجتماعي.
وتلاحظ تبارك عيسى (23عاماً) أختها الصغيرة وهي تقفل على نفسها باب غرفتها وترفض الخروج أو التواصل مع غيرها، كما وأنها لا تتحدث مع عائلتها سوى بما يتعلق بمغنيها المفضل، وعن آخر ما ارتدى من تقليعات لملابسه أو تصفيف شعره، وعن آخر كلمة صرح بها أو قالها عبر مواقعه الخاصة، وتقول إنها تعيش بسباق مع صديقاتها في سرعة الحصول على معلومة تخصه أو عنه.
تبدو أخت تبارك بالنسبة لها تعاني نوعاً من أنواع الاكتئاب من دون الرغبة بالانتحار، وتضيف” تأتي عليها أيام لا تأوي إلى الفراش، لأن مغنيها المشهور قد وعد متابعيه ببث مباشر بعد منتصف الليل.
ومثل هذا الهوس قد لا يلحظ بالنسبة للوالدين، فريم أنس (16عاماً) ترى أنهم لا يبالون بماذا تشاهد أو تقرأ، وتقول إن اختلاطي بأقراني من الأصدقاء والزملاء ضعيف، فأنا لا اطلب الخروج من البيت أو زيارة صديقة، وبهذا يشعر والديّ بالراحة من ميولي هذا.
بعض العوائل تجد قلة اختلاط بناتها ستؤمن حياة محترمة لهن وخالية من مساوئ الصداقات، وتعلق ريم “والداي لا يعلمون كم قارئاً ومتابعاً لرواياتي على أمينو”.
الحياة الوردية الرومانسية
يشكل هؤلاء المراهقون جزءاً من نمط حياة بدأ بالانتشار عبر مواقع اليوتيوب والانسغرام، يستدعي دراسته وتحليل أسبابه والهدف منه، وكذلك نتائجه الايجابية والسلبية، حسب خبيرة علم النفس الاجتماعي الدكتورة نهلة
الحسني.
وتسرد: لم تحظ حالات الهوس بالمشاهير وبناء التخيلات حولهم من قبل المراهقين باهتمام متخصصين داخل مجتمعاتنا، رغم تأثيراتها الكثيرة على بناء عقلية متكاملة، لتبقى حبيسة أحلام وهمية.
ووفقا لمعلومات الخبيرة عن التطور التكنولوجي، فإن هناك ما يمكن اثباته في أن حالات الهوس التي يصاب بها هؤلاء هي من ضمن ولعهم بعالم الانترنت، وتأثيره في حياتهم اليومية.
كل المراهقين بحسب الدكتورة يكون لديهم هوس ما، وهو من الأمور الاعتيادية بأعمارهم الحرجة هذه، لذا فقد لعب دخول الانترنت هنا دوراً أكبر في تغيير ما اعتدنا عليه بسنوات عمرنا السابقة، فلو أتيح لنا في السابق كما هم الآن متابعة المشاهير من الذين تعلقنا بهم، وفسح لنا التعبير عن مشاهداتنا لهم لما لجأنا إلى تجميع صورهم وسماع أغانيهم أو تقليدهم في ارتداء ذات الملابس أو بعمل نفس تصفيفات الشعر، اذ كنا نحصل على معلوماتهم من خلال التلفاز وبعض الصحف والمجلات
فقط.
وتشير الخبيرة إلى أن الحصول على المعلومات الخاصة بشخصية محببة لدينا ومشهورة أمر إيجابي، لكن مع ظهور ما تطلق عليه هذه الشريحة من المراهقين بالروايات وتعلقهم الشديد بها، يتطلب الأمر هنا متابعة ورقابة الأهل أو من هم أكبر سناً منهم، خشية إصابتهم بالكآبة أو تشبثهم بمعلومات حالمة وربما وهمية، ما قد يسبب لهم الإحباط والصدمة مع مرور الأيام والسنوات، وخاصة عند اكتشافهم أن تلك الحياة الوردية الرومانسية في روايات الفيديوهات لا تمت بصلة لواقعنا
اليومي.
كما وقد شرحت الخبيرة ضرورة الاهتمام بهذا النوع من المراهقين، وخاصة الذين يصنعون هذه الروايات، لأن لديهم من القدرات ما قد يؤهلهم ليكونوا مختلفين ومتميزين في المستقبل.