مقارنة المثل السومري بنظيره العراقي والعربي

ثقافة شعبية 2024/06/27
...

 حسين العامل 


يقول المثل السومري (اذا حكمت على شيء فلا تقرن ذلك باستهجانك الشخصي) وهذا المثل ذكره طه باقر في كتاب "مقدمة في آداب العراق القديم"، وصنفه ضمن الأمثال والحكم والوصايا الواردة باللغتين السومرية والبابلية. ويرصد المثل السومري ازدواجية الأحكام التي تصدر من الفرد وفقاً لطبيعة علاقته مع الآخر ويعبر عن الرفض المجتمعي لهذه الحالة التي لا تتناسب مع سلوك الشخص السوي، وقد تطرقت الأمثال العراقية المعاصرة إلى هذه الحالة وعبرت عنها بالمثل ( صيف وشتا على صطح واحد) أو (صَيْفْ وْشِتَا بْفَدْ صَطِحْ) وحكايته بحسب ما رواها عبد الرحمن التكريتي في جمهرة الأمثال البغدادية تقول : إن عجوزاً لها ولد متزوج وابنة متزوجة، وكلهم يسكنون معها في دار واحدة، وأسرتهم الثلاثة فوق سطح الدار.

كان الفصل صيفاً، والشهر تموز، والحرارة على أشدها، انتصف الليل، وابن العجوز فوق سريره لم يغمض له جفن بعد، وسارت العجوز قليلاً،  فتقدمت من سرير ابنتها، ودفعتها نحو زوجها وهي تقول:(ليش مهزومة من رجلچ، والدنيه باردة زمهرير، خشوا اثنينكم جوّه اللحاف). وكان ولدها يسمع ما قالته لأخته،  ثم تقدمت من سرير ابنها،  فركلت زوجته برجلها قائلة لها : (ليش محشوكه بالرجال، متشوفين الدنيه د تشتعل جهنم! جرّي نفسچ عنّه، خل ياخذ نفس شويه). فما كان من الابن إلا أن وقف على السرير ووضع يديه على أذنيه وكأنه يؤذن للصلاة وصرخ بأعلى صوته قائلاً: ( تعالوا يا ناس، اسمعوا يا اسلام، قابل صيف وشتا بفد صطح )، فأرسلها مثلاً . 

بينما ورد في الأمثال الكردية (سطح واحد وطقسان)،  ذكره بدرخان السندي في كتاب الحكمة الكردية،  وقال: تقال في اتخاذ أحدهم موقفين متناقضين في الوقت نفسه. وما يروى من الشعر الشعبي للشاعر علي الخفاجي في هذا النحو:

صرت مثل القلم مو أعمى بس مگيود

بمزاج الگادني اكتب چذبه،  يو كفره

أما عن نظير المثل السومري في الأمثال والأقوال العربية فيتمثل بما رواه الثعالبي في التمثيل والمحاضرة عن المعتصم قوله: إذا نصر الهوى بطل الرأي.

بينما قال ابو العتاهية (130هـ/747م - 213هـ،826م):

لِكلِّ أمرئ رأْيَانِ رَأْيٌ يَكُفّهُ.... عنِ الشّيءِ، 

أحياناً، وَرَأيٌ يُنازِعُ 

أما السري الرفاء (366 هـ / 976م) فقال:

إذا غابَ عن ذي الرأي وجهُ رَشادِه .... لجأتَ 

إلى رأيٍ يُريك المغيَّبا

ومن الطرائف التي تروى في الأحكام التي تصدر من الخدم وفقاً لمزاج الحكام : يُحكى أن الأمير بشير الشهابي وهو أحد أمراء جبل لبنان من آل شهاب، الذين حكموا منذ سنة 1697م حتى 1842) قال لخادمه يوماً:

تميل نفسي إلى أكلة باذنجان .

فقال الخادم : الباذنجان ! بارك الله في الباذنجان ! هو سيد المأكولات،  شحم بلا لحم،  سمك بلا حسك،  دجاج بلا اعوجاج،  يؤكل مقلياً ومشوياً،  نيئاً وطازجاً بارداً وساخناً،  وجبة كاملة أو مدخناً للطعام .

فقال الأمير : ولكن أكلت منه قبل أيام فنالني كَرْب (أي توجعت منه). فقال الخادم : الباذنجان! لعنة الله على الباذنجان ! فإنه ثقيل غليظ نفاخ حلوه مر ومره علقم ساخنه منفر،  وبارده مقزز .  فقال الأمير : ويحك ! تمدح الشيء وتذمُّه في وقت واحد ؟!

فقال الخادم : أنا خادم للأمير يا مولاي لا خادم للباذنجان .

إذا قال الأمير نعم قلت نعم،  وإذا قال لا قلت لا .

ومما ورد في النهي عن ازدواجية المواقف في الشعر العربي قولهم : 

وَلا خَيرَ في وِدِّ اِمرِئٍ مُتَلَّونٍ .... إِذا الريحُ مالَت مالَ حَيثُ تَميلُ