دراما المهرجانات.. ماذا ستضيف لمكانة البلد وإرثه الحضاري؟

منصة 2024/07/01
...

 د. عواطف نعيم *

تعد المهرجانات واحدة من الطرق المعتمدة لدى بلدان العالم المتحضّر لمد جسور التعاون والابتكار والعمل المشترك، ولها أيضا القدرة على خلق شبكة من العلاقات الفنية والاجتماعية المقبولة ما بين مجاميع المدعوين من الفنانين والمثقفين والمهتمين، وهي أيضا وسيلة مهمة للترويج والتعريف بالمنجزات الفنية المقدمة من قبل أصحاب الاختصاص والعاملين في حقول الفنون المختلفة من فناني مسرح وفناني دراما تلفازية أو سينمائية أو من فنانين تشكيليين وفناني الموسيقى والغناء والرقص.

إذ تتنوع المهرجانات وتختلف حسب التوجه أو الغرض الذي تقام من أجله، وتكون في أحيان كثيرة متابعة ومرصودة ويتم شراء فعالياتها بمبالغ عالية من قبل المحطات العالميّة والعربيّة لتقدم في عروض مختلفة، ولتكن بعد ذلك مرجعاً معرّفاً ومشخّصاً للأسماء والأعمال والشخصيات التي حضرته وحققت حضورها من خلاله، والتي كانت في إحدى اللجان المقيمة والمشرفة والمنظمة لتلك الفعاليات كما هو الحال مع مهرجان كان السينمائي ومهرجانات الأوسكار ومهرجانات "الكولدن كلوب والبافتا".

وهذه المهرجانات معروفة بتواريخها وتوجهاتها وأهداف عملها، وبالتأكيد أن تلك المهرجانات وبعد مرور سنوات على تواجدها واشتغالها على وفق الأسس التي اعتمدتها كمعايير في التقييم والتقويم أصبح لها جمهورها كما أصبح لها منهاجها وتكرّست كواجهات حضاريّة لبلدانها، وكما تتواجد المهرجانات العالميّة للأفلام وللموسيقى وللغناء وللمسرح في البلدان الاوروبيّة تتواجد المهرجانات في عدد من البلدان العربية في مجالات الفن المتعددة.

وهناك مهرجانات أصبحت جزءاً من الإرث الثقافي والفني للبلدان التي انطلقت منها مثل مهرجان قرطاج الدولي للمسرح ونظيره في السينما، وهناك مهرجان القاهرة  الدولي للمسرح التجريبي ومهرجان بغداد للمسرح العربي.

ومن ثم أصبح دوليّاً كما تأسس على خارطة المهرجانات العربية مهرجان المسرح العربي والذي تقوده الهيئة العربية للمسرح، وتم أيضاً استحداث مهرجانات في بلدان عربيّة أخرى مثل مهرجان الدن لمختلف الفنون الادائيّة في سلطنة عمان ومهرجان الكويت والمهرجان الخليجي ومهرجان الشارقة، وغاب مهرجان دمشق المسرحي وبعده السينمائي بسبب ظروف الحرب التي تعاني منها الشقيقة سوريا منذ

سنوات.

والمتتبع للحركة الفنية في بلدان الوطن العربي ولا سيما المعافاة منها يرى بروز الاهتمام جليّاً بظهور مهرجانات متنوعة في هذا البلد أو ذاك، فكأن تلك المهرجانات توجد وتؤسس لأجل تعزيز وجود الانفتاح الثقافي والفني والحضاري في هذا البلد الذي كانت لديه محاذير وتابوات في التعامل مع الفنون بكافة تجلياتها، وهي حالة صحيّة تشكّل دعماً ونهوضاً ايجابياً لتواجد تلك الفنون في المجتمعات المغلقة والحذرة مما يخلق أجواء معافاة ومتحضرة في النظر إلى تلك الفنون والتعامل معها، ولكن في أحيان كثيرة قد تكون تلك المهرجانات حين لا يتم التخطيط لها بطريقة علمية وهادفة ولا يكون هناك أسباب موجبة وضرورية لإقامتها تتحول تلك الفعاليات الى ظاهرة سلبيّة مرفوضة اجتماعيّاً وتثير في وجودها العديد من المشكلات والاتهامات وتعكس صورة سلبية عن الفنون التي تحمل عنوانها، وتكون تلك المهرجانات التي تبرز فجأة بفعل وجود هذه الشخصية أو تلك، وكأنّها انبثقت تلبية لرغبات شخصية طامحة في لفت الأنظار عربيّاً أو لتحقيق منافع مادية أو مهنيّة وعقد صفقات لتحقيق مأرب وكسب حضور 

وحظوة!. 

لذا لا بدَّ من العمل على ترصين تلك الظواهر المتمثلة بالمهرجانات الفنيّة والثقافيّة سواء تلك التي تتخذ من التنافس الفني واجهة تتعامل معها أو التي تكرّس مهرجانها لأجل الظهور والشهرة والتعريف!. 

من هي الجهة التي لها الحق القانوني والمهني في فرز وتقييم تلك المهرجانات رفضاً أو قبولاً؟ إنّها بالتأكيد وزارة الثقافة وما تشكله من لجان توعز لها بالمتابعة والرصد وتكون  قادرة على التمحيص ما بين مهرجان يعكس صورة الفنان والمثقف العراقي بما يليق بحضارة وطن وبين ساعٍ إلى الربح على حساب القيم الوطنيّة والأخلاقيّة. 

وكي تكتمل الصورة لا بدَّ من طرح السؤال المهم من له الحق في إقامة المهرجان، ولأجل من يقام، ومن سيحضر إليه من المدعوين، ومن سيستفيد من وجود هذا المهرجان، وماذا سيضيف إلى مكانة البلد وإرثه الحضاري؟.


*كاتبة ومخرجة مسرحيَّة