ما سرّ السعي لربط إيران بالإرهاب؟

بانوراما 2019/06/11
...

جيفرسون مورلي  ترجمة: انيس الصفار 
 
 
 
وصف الرئيس الاميركي دونالد ترامب، في الثامن نيسان الماضي، فيلق الحرس الثوري الاسلامي الايراني بأنه "منظمة ارهابية"، وهو ذراع تابع للقوات المسلحة الايرانية. على اثر ذلك تحدث مسؤولون من وكالة المخابرات المركزية الاميركية "سي آي أي" والبنتاغون الى صحيفة نيويورك تايمز الاميركية، فقالوا أن هذا القرار سيضع الطواقم العسكرية الاميركية الموجودة على امتداد المنطقة تحت التهديد. كذلك أخبر متابعون للشأن العراقي "لورا روزين"، من موقع المونيتور، بأن هذه التسمية قد تثير هواجس في العراق حيث لإيران حلفاء عديدون فيما لا تزال الحكومة تسعى لتحقيق الاستقرار. لقد كانت هذه الخطوة تصعيداً واضحاً من جانب ادارة ترامب لضغوطها على إيران.
كل تلك التغطيات الصحفية غاب عنها سؤال محوري مهم: ترى ما هو الخطر الايراني بالضبط، وما مدى الخطر الذي يشكله على المدنيين الاميركيين والمصالح الاميركية؟ يبدو أن سوء تصوير مدى تعقيد ظاهرة الارهاب "الاسلامي" كانت منذ وقت طويل تمثل عنصراً اساسياً للحلم الجنوني الذي يراود وزير الخارجية "مايك بومبيو" ومستشار الامن القومي "جون بولتن" بالتحريض على إشعال حرب جديدة في الشرق الاوسط، حيث تطلق الولايات المتحدة على الخطر الايراني صفة "إرهاب". 
بوجود كونغرس وجمهور أميركي ينحيان الى السلبية منذ أمد، بعد أن نال منهما التعب أخيراً جراء حروب ما بعد 11/ 9 التي لا تنتهي، لنا أن نتساءل: ترى هل اصبح "الارهاب" الايراني الآن مرتكزاً لحملة اعلامية أميركية أم انه وجود قائم على أسس حقيقية؟
 
التقاء المصالح
الحقيقة هنا معقدة، لأن التهديد الايراني حقيقي، لكنه ليس جسيما. فعلى مدى السنوات العشرين الماضية، أو نحو ذلك، كانت التقارير السنوية التي يصدرها مركز "مكافحة الارهاب القومي" تنسب الغالبية العظمى من الهجمات الارهابية التي يرتكبها "اسلاميون" في العالم منذ العام 2001 الى ما يطلقون عليه اسم "التطرف السني" (جهاديون يستمدون توجهاتهم من الفكر الديني السعودي السلفي المعادي للامبريالية). ويقع تنظيم "داعش" وسواه من الجماعات الاصولية المسلحة تحت هذا التصنيف من "التطرف السني"، الذي يتلقى تمويله في اغلب الاحيان من دول الخليج العربية الغنية. 
هؤلاء المتطرفون يكنّون كرهاً شديداً للمسلمين الشيعة في ايران (والذين يوصمون بالتكفير وفق منظورهم) لا يقل عن كرههم "للصليبيين واليهود" في واشنطن وتل أبيب. والمتعصبون الذين نفذوا هجمات 11/ 9 وبعدها مدريد ولندن وباريس وسان برناردينو، كانوا جميعاً من المتطرفين السنة، وليس بينهم إيراني واحد. 
هذه الحقيقة لن تكون مبعث ارتياح لملتقى المصالح الصهيونية والسعودية في واشنطن حالياً، وهو مجموعة تضم "مايك بومبيو" وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان وحلفاء اسرائيل داخل واشنطن. هؤلاء جميعاً لديهم من الاسباب ما يجعلهم راغبين في مواجهة القوة الايرانية وتدميرها، والسبب هو أنها تمثل تهديداً لاسرائيل ومنافساً للسعودية. لذا وجد فريق الحرب في واشنطن (وتل أبيب والرياض) نفسه بحاجة الى تغيير الموضوع، وقرر أن من الضروري حرف اتجاه التغطية الاعلامية التي تقوم بها وسائل الاعلام الاميركية بعيداً عن "الارهاب السني" الممول سعودياً (وحادثة اغتيال جمال خاشقجي التي تقف وراءها الدولة) وتوجيهه الى "الارهاب الشيعي". 
بعد الاعلان عن قرار 8 نيسان قال وزير الخارجية "مايك بومبيو" معلقاً: "نحن نفعل ذلك لأن النظام الايراني يستخدم الارهاب كأداة من أدوات إدارة الدولة، وهذا يجعله مختلفاً جذرياً عن أية حكومة أخرى.. إنها خطوة تاريخية ستجرد أكبر دولة داعمة للارهاب في العالم من الموارد المالية التي تمكنها من نشر البؤس والموت في انحاء العالم."
لم يشر بومبيو بالتحديد الى أي حادثة وقع فيها قتلى أميركيون، ولكن بيان الحقائق الذي اصدرته وزارة الخارجية فعل ذلك، حيث قال أن "الحرس الثوري الايراني متورط بشكل مباشر بالتخطيط لأعمال ارهابية، وأن.. دعمه للارهاب على نحو مؤسساتي أودى بحياة مواطنين أميركيين."
 
أزمة الرهائن
ولدت لدى الولايات المتحدة فكرة أن طهران قطب مركزي للارهاب عندما احتجز الايرانيون 52 دبلوماسياً أميركياً رهائن لمدة قاربت 400 يوم (حادثة اقتحام الطلبة الايرانيين للسفارة الأميركية في طهران مطلع تشرين الثاني 1979، التي عرفت حينها بأزمة رهائن السفارة الأميركية- المترجم). 
وعندما استخدمت إيران وكلاء سريين وقوات تعمل معها بالوكالة لشن حرب على أهداف غربية، عقب الغزو الاسرائيلي للبنان أواسط العام 1982، أخذت إدارة الرئيس رونالد ريغان تصور إيران بأنها أكبر دولة داعمة للارهاب. وبقيت تلك التهمة ملتصقة بإيران رغم جنوح حماسها الثوري الى الهدوء وسعي بعض الاجنحة من داخل الحكومة لإقامة علاقات افضل مع واشنطن.
أخذت هجمات إيران على الاهداف الغربية بالتراجع منذ احداث 11/ 9 بينما توسعت اعمال العنف التي ترتكبها جماعات ارهابية لا تنتمي الى دولة معينة وتعادي إيران في الوقت نفسه، مثل تنظيم القاعدة و"داعش"، الى ان عمت العالم. وعندما نعود الى تقارير المركز الوطني لمكافحة الارهاب خلال السنوات العشرين الماضية سنرى أن "الارهاب الإيراني" (والشيعي عموماً) لا يشكل تصنيفاً ملحوظاً ضمن أي حجم بين تقارير مكافحة الارهاب الاميركية. هذا الارهاب على الاميركيين والعالم يبقى اصغر بكثير من "الارهاب السني" أو إرهاب القوميين البيض بأي مقياس موضوعي يؤخذ.
توجهت الى خبيرين متخصصين وطلبت منهما بعض التفاصيل الدقيقة عما اجتمع لديهما مما له علاقة بادعاءات وزارة الخارجية: من هم الاميركيون الذين قتلتهم إيران؟ ومتى وقع ذلك؟
جاءني الرد من "بروس رايدل"، وهو مسؤول محطة سابق لدى وكالة المخابرات المركزية "سي آي أي"، برسالة الكترونية قال فيها: "أبرز حالة عندي حدثت في العراق بعد العام 2003 عندما دعم الحرس الثوري الايراني عراقيين يقتلون الجنود الاميركيين." أما "بروس هوفمان"، وهو خبير مكافحة الارهاب من جامعة جورجتاون، فقد أجابني بأن وزارة الخارجية ربما كانت تقصد بتصريحها "تلك المعارك العنيفة التي شهدتها مدينة الصدر ببغداد اواسط العام 2008 بين الحرس الثوري الايراني والقوات
الاميركية."
لا دليل على التورط
إذا كان الامر كذلك فإنه لا يمكن تصنيفه تماماً كعمل ارهابي. ففي مدينة الصدر كانت قوات الحرس الثوري الايراني تقاتل قوات عسكرية أميركية ترتدي الزي العسكري، والأخيرة قوات احتلت العراق تحت ذرائع زائفة، وهذا لا يشبه بأي شكل تفجير طائرة مسافرين مدنية او اطلاق النار على الناس خلال حفل موسيقي.
لا يفوت هوفمان التركيز على دور فيلق الحرس الثوري الايراني في الهجمات التي وقعت خلال القرن العشرين، وتلك حقائق لا جدال فيها وقد مضى عليها زمن 
طويل. 
وكتب هوفمان يقول: "لقد كان لفيلق الحرس الثوري دور تدريب عناصر حزب الله وتوفير المساعدات اللوجستية لتفجيري السفارة الاميركية في بيروت خلال العامين 1983 و1984 وتفجير ثكنة مشاة البحرية الاميركية عند مطار بيروت الدولي سنة 1983 ايضاً. وقد يكون من المحتمل أيضاً تورطهم باختطاف وتعذيب وقتل مسؤول محطة المخابرات المركزية الاميركية "وليام باكلي" سنة 1985 وعقيد مشاة البحرية "وليام هيغنز" سنة 1989."
لا ريب ان تفجير سفارة، حتى لو كانت تؤوي مقراً لمحطة تابعة لوكالة المخابرات المركزية، عمل يدخل ضمن تعريف الارهاب، ولكن جنود المارينز الاميركيين الذين قتلوا بانفجار السيارة المفخخة، وعددهم 241 عنصر، إنما ارسلوا الى لبنان لإسناد الغزو الاسرائيلي الوحشي منتصف العام 1982. 
وبعد تفجير مقر مشاة البحرية سارع الرئيس "رونالد ريغان" الى سحب القوات الاميركية في اقرار كامل منه بإنه لم يرسل اولئك الشبان الاميركيين ضمن مهمة لحفظ السلام بل الى منطقة حرب لصالح الغزاة الاسرائيليين، ولذا كان اولئك الجنود ضحايا حرب، لا ضحايا إرهاب.
وكان آخر هجوم ارهابي تعرض له الاميركيون، ويبدو أن لحلفاء إيران يداً فيه، هو تفجير ابراج منطقة الخبر شرق السعودية، والذي ذهب ضحيته 19 أميركياً من عناصر القوة الجوية. وقد حدث ذلك قبل 22 عاماً.
 
متى تتحرك ايران؟
وبحلول أواخر العام 2001 ابدت إيران تعاوناً تاماً مع الغزو الاميركي لأفغانستان الذي استهدف طرد تنظيم القاعدة من معاقله الجبلية. 
وكانت غاية الإيرانيين من ذلك هي التخلص من اسامة بن لادن (ومن فكره المعادي للشيعة ايضاً). وعندما فر زعيم القاعدة محفوظ بن الوليد الى ايران أواخر تلك السنة، كما تفيد تقارير نشرتها لاحقا مجلة "أتلانتك"، اتصل المسؤولون الايرانيون بالولايات المتحدة واقترحوا ان تتولى إيران ملاحقة وتجميع عناصر القاعدة الذين يعبرون الحدود اليها ثم تحيلهم الى عهدة الاميركيين "مقابل تطبيع العلاقات بينهما"، فرفضت ادارة بوش العرض، وقامت بدلاً من ذلك بإعلان إيران جزءاً مما اسمته "محور الشر"، إذ جاء ذلك ضمن خطاب الاتحاد للعام 2002. ثم أخرجت إيران لاحقا أولئك الارهابيين. فإذا كان "الشيطان الاكبر" لا يريدهم .. ترى ما الذي يدعو الايرانيين للاكتراث بهم؟
تصرفات الايرانيين التي يمكن ادراجها ضمن التعريف العام للارهاب تتمثل بأخذ الرهائن، مثل مراسل صحيفة واشنطن بوست "جيسون رضائيان"، لأن اعمال الخطف تلك وما يتبعها من أعمال التعذيب هي انتهاك صريح لحقوق الانسان، بيد أنها تقع على الاراضي الايرانية وهذا يجعلها لا تختلف في شيء عما ترتكبه الانظمة القمعية لتركيا والصين ومصر والسعودية وكوريا الشمالية، التي يبدو ان الرئيس ترامب حريص على حسن العلاقة معها.ما ينبئنا به التاريخ عما يسمى بالارهاب الايراني هو الآتي: 
القوات الايرانية وقوات الحرس الثوري يمكن أن تشارك بهجمات وأعمال عنف ضد العناصر الأميركية التي ترتدي الزي العسكري حين يغزو جنود الولايات المتحدة (أو اسرائيل) احدى الدول المجاورة لها. وعندما يواجه الايرانيون تهديداً بهجمات أميركية أو صهيونية فمن المحتمل أن يستهدفوا بدورهم عناصر الجيش أو الاستخبارات الاميركيين من دون أن يعبأوا بما قد يقع من اصابات محتومة بين المدنيين.
الواقع هو أنه ما لم تستفز إيران بغزو يقع على اراضي دولة مجاورة لها فإن حرسها الثوري لن يهاجم الأميركيين. هذا هو على الأقل ما يثبته سجلهم خلال السنوات العشرين الماضية، ولعل هذا جانب من السبب الذي جعل وكالة المخابرات المركزية والبنتاغون يعارضون قرار ترامب الأخير، كما أوردته التقارير. كما إن الولايات المتحدة لن تغنم شيئاً باستعدائها دولة يشير تاريخها الاحدث الى أنها لن تهاجم أهدافاً أميركية إلا عند تعرضها لعدوان.   
  
عن مجلة {الجمهورية الجديدة}