عيد الموسيقى يطفئ شمعته الثالثة والأربعين

بانوراما 2024/07/09
...

 باريس: غيث طلال  


على وقع الراب والجاز والسامبا والألحان الكلاسيكية، تحيي مدن فرنسا وبلداتها الجمعة عيد الموسيقى، كما اعتادت في الحادي والعشرين من حزيران من كل سنة، منذ أن اطلق وزير الثقافة السابق جاك لانغ هذا التقليد قبل 43 عاما، وهو مهرجان فني موسيقي يقام في معظم دول العالم مع بداية فصل الصيف بمناسبة اليوم العالمي للموسيقى، انطلق المهرجان الأول في فرنسا عام  1981، حيث عزف آلاف الموسيقيين  معاً. كان عيد الموسيقى الذي يطفئ هذه السنة شمعته الـ 43 أكبر مصدر توتر في حياة وزير الثقافة الفرنسي السابق جاك لانغ الذي ابتكره، إذ “كان يمكن أن يؤول إلى فشل كبير” على حد قوله، لكنه أصبح بمثابة مهرجان في البلاد وصُدِّر إلى أكثر من 100 دولة.وفي حديث للصحافة الفرنسية روى لانغ الذي عينه الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران  وزيراً بعد تولي اليسار السلطة عام 1981، “قلنا للناس هيا اخرجوا وتمتعوا بالموسيقى في الشوارع، لكننا كنا نخشى أن يظلوا قابعين في منازلهم، غير أن الأمر نجح».

نشأت الفكرة منذ شتاء العام 1981 في أذهان لانغ وأعضاء الفريق المحيط به وأبرزهم المهندس المعماري واختصاصي الـ “سينوغرافيا” كريستيان دوبافيون، ومدير الموسيقى والرقص موريس فلوريت، والأخير هو الذي أطلق شعار “الموسيقى ستكون في كل مكان والحفلة لن تكون في أي مكان».

شاء لانغ (82 سنة) “قلب الطاولة رأساً على عقب”، وقال الرجل الذي برز يومها في المشهد السياسي  “العيد هو مساحة للتواصل والمشاعر والترابط بين الفنانين والناس. 

وروى لانغ أن إحدى خطواته الأولى كوزير للثقافة كانت “حضور حفلة للمغني الأميركي ستيفي ووندر”. وقال، “في نظري كان ذلك طبيعياً لكن بدا الأمر لبعضهم تهوراً».

وشرح أن “السياسة الثقافية الفرنسية في تلك الحقبة كانت تركز على الموسيقى الكلاسيكية، وبصورة أقل على الموسيقى المعاصرة، وعلى الأبحاث الموسيقية مع الملحنين بوليز وزناكيس، أما الأنواع الأخرى مثل موسيقى الروك والجاز وسواهما فلم تكن تحظى بالاهتمام».

وانطلق لانغ آنذاك من مفهوم بسيط يتمثل في ضرورة أن تخرج الموسيقى يوم الانقلاب الصيفي في الـ 21 من حزيران ، من إطار المعاهد الموسيقية وقاعات الحفلات ليعزفها الجميع، وأطلق المشروع بسرعة وكثف لانغ إطلالاته عبر وسائل الإعلام، وطبع أول ملصق ترويجي وحمل شعاراً كتب بالأبيض على خلفية زرقاء قوامه لعب على الكلمات إذ جاء فيه، “فيت”، وهو اسم يعني “العيد”، ثم بين قوسين “فيت” (وهو فعل يعني “اعزفوا”) الموسيقى في الـ 21 من حزيران  بين الثامنة والنصف والتاسعة مساء».

ولاحظ لانغ أن المشروع “لم يحقق نجاحاً كبيراً في العام الأول، لكن الناس دخلوا اللعبة وشهد العام 1983 الانطلاقة الفعلية».

وأعطى لانغ المثل بنفسه مُقدماً على مجازفة شخصية، فراح يعزف على البيانو في الشارع تحت مقر وزارته عام 1982، وعاود الكرة العام 1983 على نشرة الأخبار التلفزيونية مع أنه يصف نفسه بأنه “عازف بيانو سيئ جداً».وسرعان ما واجه لانغ انتقادات عندما أجريت معه مقابلة إعلامية، إذ سئل هل الوقت ملائم لهذه المبادرة في ظل ارتفاع معدل التضخم (1982)؟ وهل الاحتفال وسيلة لصرف الانتباه عن سياسة التقشف (1983)؟ وقال لانغ “حصل لبعض الوقت تعكير للبهجة، إن من خلفيات صادقة أو لغايات سياسية، لكن الحركة الشعبية جرفت كل ذلك في نهاية المطاف».

وأسهم في الترويج للحدث الناشئ أيضاً سفراء قاموا بعمل لافت، مثل المغني جاك إيغلان الذي عزف في شاحنة عبرت باريس، والإعلامية الإذاعية والتلفزيونية ماري فرانس بريير التي بادرت إلى تركيب وصلات كهربائية حول ساحة تروكاديرو في باريس لتتمكن فرق الروك من العزف.

وسنة بعد سنة راحت فكرة عيد الموسيقى تتسع عالمياً، وصُدرت إلى أكثر من 100 دولة، باتت تحيي المناسبة. كما هو الحال اليوم، إذ تحتفل المدن الفرنسية كافة بهذا الحدث، الذي تشارك فيه فرق من مختلف دول العالم وفرق عربية ايضا تعزف الموسيقى باستخدام العود والقانون والطبل، ولا يقتصر المهرجان على العزف، بل يتعداه إلى الغناء والرقص وتوزيع الهدايا بين الأطفال والمشاركين وإطلاق الألعاب النارية، وتفترش الأكشاك المتنقلة الطرقات لبيع الحلويات والمرطبات والمأكولات

السريعة.