من ذاكرة عاشوراء

ثقافة شعبية 2024/07/11
...

كاظم غيلان 



يحتل عاشور ذلك الحيز المكتظ بفجائعيته في ذاكرتنا الجمعية منذ طفولتنا، ويظل يتجدد ونستعيد أوراقه، نقلبها عاماً عاماً وواقعة واقعة، تطرأ المتغيرات إلا أنها لا تمحو مشهد الأسى الذي يتجسد عبر فعاليات ونشاطات ارتبطت بأعمارنا .

مواكب العزاء الحسيني تخترق جسد المدينة بمشاهد تشبه بعضها، إلا أنها عرضة للتشوهات التي اخترقتها الشعبوية بعد أن دست السياسة أنفها، كانت تلك الالتقاطة الأولى بالنسبة لي، ففي حقبة شهدت قيام تجربة وحدة عربية متحدة سرعان ما منيت بالفشل، كان عرابها جمال عبد الناصر، وما إن بانت ملامح انهيارها حتى شمت به أعداء تجربته الكارتونية، وها أنا أستعيد تلك الردة التي تعالت بها أصوات (اللطالمة):

(شبوط ياقائد الاحرار.. وحدة الزوري غدت طشار)   

هكذا تحول قائد الأمة وعراب وحدتها إلى(شبوط) والحلفاء الذين اصطفوا معه إلى(زوري) وتشتت شمل (الوحدة).

منذ تلك الواقعة بدأت راصداً لتوظيف كل ما لا يمت لثورة الحسين استغلالاً وخرقاً معيباً، ولكنه شأن السياسة وما توكله من مهمات لأبواقها الشعبوية .

ثورة الحسين(ع) واضحة المعالم وتتجدد على مدار الزمان ولم تتمكن أعتى الأنظمة التي حكمتنا من زعزعة طقوس احيائها، فالظلم الذي تعرض له الحسين وأصحابه وأهل بيته لم يزل قائماً يأخذ أشكالاً جديدة، وقمع الإنسان ومحاولات سلب إرادته بكل الطرق المتوحشة الباطلة هو الآخر حي يتجدد عبر سلطات جديدة، لكن ذلك من النادر توظيفه مقارنة بالشعبوية السائدة وها هي اليوم قد أوكلت لـ (المهاويل) مهماتها .

في بحثه القيم (البحث عن جذور الإله الواحد) يكشف لنا الباحث فالح مهدي عما امتاز به شيعة العراق من فولكلور والذي تتصدره طقوس عاشوراء بخلاف بقية المذاهب التي تفتقر له، الأمر الذي يستدعي صيانة هكذا فولكلور وحمايته من التشوهات التي تسيء لأهميته التاريخية المتوارثة عبر العصور. 

أرى أن المتبقي من كل هذا الفولكلور هو صوت القارئ (عبد الزهرة الكعبي) الذي يبسط قوته في اليوم العاشر من عاشوراء ويحولنا إلى منصتين بينما الشوارع موحشة حزينة.

كم أتمنى إيجاد فرق حماية تأخذ على عاتقها وضع حد لكل التجاوزات الشعبوية الدخيلة في ذكرى معركة الحق مع الباطل التي جسدتها  صرخة الحسين(ع) بكل ما في نكران الذات والتضحية من قوة:

(ياسيوف خذيني)، في زمن تشبث زعامات هذا الزمان بما هو ضدها تماماً عبر : (ماننطيها).