وسام الفرطوسي
«ولئن جرت عليَّ الدواهي مخاطبتك فإني لأستصغر قدرك وأستعظم تقريعك وأستكبر توبيخك..»
لقد كانت صفعة قوية توجهها زينب بنت علي «ع» ليزيد الطاغية الأحمق الذي ظن بأنه يخاطب امرأة عادية ثكلى مسبية أذلها الأسر، وفجأة أحسّ كأن صاعقة نزلت على رأسه من وقع هذه الكلمات، بل إن الصاعقة كانت أهون عليه منها، وأدرك أنه قد نسج نعش دولته بيده بقتله الحسين «ع».
كانت زينب لسان الثورة الحسينيَّة وصرخة وآهة في مسمع الدهر لن يخفت صداها، فكان لخطبها وكلماتها أثرهما العميق ودلالتهما الواضحة بأنَّ كربلاء باقية مع تعاقب الأزمان، وأنَّ النهضة الحسينية المباركة ستبقى خالدة في الأجيال، فقد عكس دورها مبادئ الثورة الحسينيَّة وفضح جرائم الأمويين فكانت خطبها هي وسيلة إعلام الثورة الحسينية الضخمة التي قادتها وأدارتها ومثلتها بأعظم دور في نشر الهدف الرسالي المقدّس الذي سعى إلى تحقيقه الإمام الحسين (ع) في كربلاء.
تقول الدكتورة بنت الشاطئ: (كانت زينب عقيلة بني هاشم في تاريخ الإسلام وتاريخ الإنسانية بطلة، استطاعت أنْ تثأر لأخيها الشهيد، وأنْ تسلط معاول الهدم على دولة بني أمية، وأنْ تغير مجرى
التاريخ).
نعم لقد استطاعت هذه السيدة العظيمة التي كانت (تفرغ عن لسان أبيها سيد البلغاء) أنْ تزلزل عروش الأمويين بخطبها ورثائها لسيد الشهداء، وتابعتها في دورها العظيم هذا سيدات بيت النبوة، ومعدن الرسالة والفصاحة، وحرائر الوحي: أم كلثوم بنت أمير المؤمنين، وسكينة، وفاطمة بنتا الحسين.
يعدّ مقام النيابة الخاصّة ـ وهو مقام رفيع ـ من المقامات الشامخة التي حظيت بها السيّدة زينب (عليها السلام)، وقد منحها هذا المقام أخوها سيّد الشهداء (سلام الله عليه) في عاشوراء؛ لتتقوّى به على تحمّل الرزايا والبلايا التي ستنهال عليها، ولتتحفّظ به على حياة بقيّة أهل البيت (عليهم السلام) الإمام عليّ بن الحسين السجّاد (عليه السلام) حتّى لا تخلو الأرض من الحجّة
الإلهيّة.
وممّا يدلّ على نيلها هذا المقام الشامخ، ما رواه الشيخ الصدوق في [كمال الدين ص501]، والشيخ الطوسيّ في [الغيبة ص230]، والمسعوديّ في [إثبات الوصيّة ص285]، والشيخ الخصيبيّ في [الهداية الكبرى ص626] بأسانيدهم عن أبي حامد أحمد بن إبراهيم المراغيّ، قال: «دخلتُ على حكيمة بنت محمّد بن عليّ الرضا ـ أخت أبي الحسن صاحب العسكر (عليهم السلام) ـ في سنة اثنتين وستين ومئتين، فكلّمتُها من وراء حجاب، وسألتُها عن دينها، فسمّت لي مَن تأتمّ بهم، ثمّ قالت: والحجّة ابن الحسن بن عليّ، فسمّته. فقلت لها: جعلني الله فداك، معاينة أو خبراً؟ فقالت: خبراً عن أبي محمّد (عليه السلام)، كتب به إلى أمّه. فقلت لها: فأين الولد؟ فقالت: مستور. فقلت: إلى مَن تفزع الشيعة؟ فقالت لي: إلى الجدّة أمّ أبي محمّد (عليه السلام). فقلتُ لها: أقتدي بمَن وصيّته إلى امرأة؟ فقالت: اقتداء بالحسين بن عليّ (عليهما السلام)، فإنّ الحسين بن عليّ (عليهما السلام) أوصى إلى أخته زينب بنت عليّ في الظاهر، فكان ما يخرج عن عليّ بن الحسين (عليهما السلام) من علمٍ يُنسَب إلى زينب ستراً على عليّ بن الحسين (عليهما السلام)».
قال المحقّق المامقانيّ في [تنقيح المقال ج3 ص79]: «.. ولو قلنا بعصمتها لم يكن لأحدٍ أنْ ينكر إنْ كان عارفاً بأحوالها في الطفّ وما بعده، كيف؟ ولولا ذلك لَمَا حمّلها الحسين (عليه السلام) مقداراً من ثقل الإمامة أيّام مرض السجّاد (عليه السلام)، وما أوصى إليها بجملةٍ من وصاياه، ولَمَا أنابها السجّاد (عليه السلام) نيابة خاصّة في بيان الأحكام وجملة أخرى من آثار
الولاية».
وقد استشهد السيّد نور الدين الجزائريّ في [الخصائص الزينبيّة ص 242] بخمسة شواهد على نيلها (عليها السلام) هذا المقام، ومن جملتها هذا الخبر، وعلّق عليه بقوله: «فإنَّ هذا الخبر صريح في أن السيدة زينب (عليها السلام) قد نالت النيابة الخاصة عن أخيها الإمام الحسين (عليه السلام) وفازت بالعلوم التي أودعها عندها أخوها بأمر من الله تعالى، حتى تكون هي (عليها السلام) مصدر نقلها وروايتها، فيسلم بذلك ابن أخيها الإمام زين العابدين (عليه السلام) من كيد الأعداء وشرّهم، ولئلّا تخلو الأرض من
الحجّة».