عبد الرضا الجاسم
لماذا خرج الإمام الحسين عليه السلام؟ وهو يعلم أنه يخرج على سلطة مدججة بسلاح تحركه الأموال والمطامع، وتحتمي بصدورٍ مات فيها نبض الإنسانيَّة والضمير، وخلت إلا من مسمى ظاهري خالٍ من الجوهر بادعاء الانتماء للإسلام، وطارت قلوب الناس بين خائف يرجو السلامة خلف صمته، ورضي بالذل واجترار الشكوى، وطامعٍ أرخى قياده لحب الدنيا، فرهن دنياه وآخرته برغبة السلطان، وآخر وضع خشية السلطة فوق خشية الله، فعصاه وأطاع سلاطين الجور ولو بسفك الدماء وانتهاك الحرمات، وفريقٍ لبسَ ثوبَ الورع واجترح ديناً لا يكلف الإنسان عناء الوقوف بوجه الظلم، فصمَّ أذنيه عن أنين الضحايا ومظالم العباد، كل ذلك يعرفه الإمام الحسين عليه السلام حق المعرفة،
إذن لماذا خرج؟.
تذكر لنا الروايات أنَّ الإمام الحسين عليه السلام كان يعلم أنه ذاهبٌ إلى الشهادة، ومعه أهل بيته، هكذا دلَّت كلماته بما لا يقبل الشك، وهكذا كان واضحاً صريحاً مع أصحابه؛ أنهم مقدمون على لقاء ربهم، وخيَّرهم بين الشهادة والانصراف واعتزال القتال، فلماذا مضى مع أهل بيته وأصحابه نحو ميدان يعلمُ أنهم لن يخرجوا منه إلا رؤوساً على أطراف الرماح؟.
هل يمكن أنْ يتصورَ أحدٌ أنَّ مثل الحسين لا يعلم تكليفه؟ إلا أنْ يكونَ قد قدم حياته مع أهل بيته وأصحابه، من أجل حياة أمّة بأكملها، ومن أجل بقاء دينٍ شاء الله أنْ يكونَ خاتم الديانات وسبيلاً للبشريَّة جمعاء للوصول إلى الهدف الإلهي الأسمى.
لقد رأى عليه السلام كيف عملت السلطة على حرف الإسلام شيئا فشيئا إلى مجموعة من الممارسات الخاليَّة من الروح، وكيف أدخلت طاعة سلطان الجور في صلب الدين، وجعلت من تربع الحاكم على رقاب الناس قدرا مقدورا يأثم منكروه بالقول والفعل، والأخطر أن وعاظ السلاطين الذين باعوا ذممهم، أدخلوا أولياء الشيطان مع أولياء الرحمن، ونسبوا ذلك إلى الدين، فخلطوا الأوراق على الأمة واختطفوا وعيها، وأصبح السابق والمتأخر بميزان واحد، وطاعة السلطان تقدمت على طاعة الرحمن، بل وصل الأمر إلى تأويل النصوص الصريحة لتسويغ أفعال الظالمين وتسويق مواقفهم.
لو بقي الحال على ما هو عليه، لتحول الإسلام شيئا فشيئا إلى نتاج من رغبات الحكام وأهدافهم، ويمكن لمن يشك بهذه النتيجة أن يحاكمها إلى الواقع، وكيف يزيف حكام الجور الواقع، ويفرضون بدلاً منه واقعاً ذهنياً لا وجود له إلا في كتابات تخطها أيادٍ مأجورة تروي أحداثاً لم تحدث، وانتصارات لم يشهدها مخلوق، وهكذا بعد مرور الأجيال يصبح الكذب حقاً والحق كذباً.
لولا تضحيَّة الإمام الحسين عليه السلام، لوصلنا دين آخر، دين تكون فيه قداسة الحاكم فوق قداسة النص الإلهي، ولخط لنا وعاظ السلاطين ما شاءت لهم أطماعهم وأملت عليهم رغبات السلطة، ولأدخلوا في الدين ما يفرغه من محتواه الإلهي الحق.
كان هدفهم واضحا؛ أن يمسخوا الإسلام الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله، ويحولوه إلى مجرد ظواهر شكليَّة لا روح فيها، ويكون واجب الإنسان الطاعة وشعاره الصمت وميدانه جدران بيته، أرادوا إماتة دين محمد (ص)، رغبة في التسلط على رقاب الناس باسمه زورا وبهتانا.
لولا الحسين عليه السلام، لخسرت الأمة من دينها ما الله أعلم به، ولوصلنا سواد على بياض خطه الكذابون والمأجورون، فما ندري أين الحق من الباطل، وأين الصدق من
الكذب.
قدم لنا دم الحسين وأهل بيته وأصحابه الجواب صريحا على أرض كربلاء: إنْ كان دين محمد لا يستقيم إلا بقتلي، فيا سيوف
خذيني.