المسؤوليَّة الأخلاقيَّة في السيرة الحسينيَّة

ريبورتاج 2024/07/14
...

 عماد العبيدي

(لولا ما أخذ الله على العلماء أن لا يقرُّوا على كظة الظالم ومسغبة المظلوم لتركت حبلها على غاربها ولألفيتم دنياكم هذه ما تساوي خَصفة نعلٍ عندي) صدقتَ مولاي  أمير المؤمنين، هذا النهج الذي حرص المرتضى على أن يزرعه في ضمير أبنائه وقد أفلح في ذلك فكان الثائر الحسين تجسيداً عملياً لهذه الوصيَّة والتربيَّة العلويَّة.
وقد أثمر ذلك شهادة ملأت التاريخ بزهوها وشكلت منعطفاً  لاستقامة الدين على يد سبطِ الرسول فكان الداعي للثورة الحسينيَّة استفحال الظلم على يد أعداء الدين  
وكان لابد من صيحةٍ بوجه الوحش تُوقفه عند حدِّه مثلما تنهض بالأمة من سُباتها لتسترد مجدها الذي أسسه لها المصطفى ،من يقدر على النهوض بذلك على أحسن وجه سوى آل بيت النبي بأسرع سفينة وأكبر ملحمة تزداد على مرِّ
العصور ألقاً ونوراً  إنه التحدي الذي رسَّخته سيرة الشهداء وعلى رأسهم أبو الشهداء فلو كان التاريخ خالياً من هكذا تضحيَّة لرَكَنت الأمة للذين ظلموا  وغلبت عليها شِقْوَتها ولكن دماءً نبويَّة انفجرت ودوَّت في سماء الضلالة فانتبهت الأمة وسار في الآفاق صوت الحق يلهب حماسة الحق ويدفع خور الجبن ويجدد العهد مع الله والأعجب من ذلك أن قائد هذه المسيرة
مارس أرقى أنواع الصبر والحكمة  والرأفة فكان متلهفاً للشهادة وحريصاً على أن تعود الناس إلى رشدها وتنفض عنها غبار العمايَّة ولعل ملحمة الطف خير دليل على ما نقول إذ سجلت لنا صوراً ما تزال حاضرة في وجدان كل امرئ مستحضرة قول الرسول المصطفى ( إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولك العتبى حتى ترضى) فقرابين الملحمة الحسينيَّة دلَّت على الإيمان بقضاء الله  والرضى بما قدَّر   وقد مارس الحسين عليه السلام النُصح للأعداء قبل الأصدقاء ونتج عنه تحوٌّل لدى البعض في صفوف الخصم المعاند كما أن الإنسان في شدَّة وضعه قد يخرج منه ما يُحسب عليه وهذا لم يرد البتة في هذه الشخصيَّة العظيمة كما أنه كان مثار الإعجاب ( لم أر أربط جأشٍ وأكثر صبراً  منه) على قِلَّة الناصر  وخذلان الآخرين مع أنهم يقرؤون في المصحف (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودَّة في القربى) فأين هذه المودَّة ! وهل هناك من هو أقرب من الحسين لجدِّه المصطفى ثم نذكر للحسين دعوة الناس وهم يحاربونه أن يكونوا أحراراً في دنياهم  ، دعوة للحريَّة واستنهاض الضمير هنا يسجلها الحسين كي تكون حجَّة على من تخاذل ونكص  ولكن نفوس اتباع الشيطان أبت إلا الانصياع لأبي مُرَّة  فعندما يذكر عمر ابن سعد أن يزيد أمَّله بملك الري إن قَتل الحسين  أخبره  سلام الله عليه أنه لن يذوق بُرَّ الري  أجابه اللعين ( ففي الشعير كفايَّة) ساخراً  فما أصبرك سيدي على مثل
هؤلاء .
إن بكاء الحسين على أعدائه مشهور رحمة بهم وحرصاً عليهم وإقامة للحجة ولكن ( أسمعت لو ناديت حيّاً ولكن لا حياة لمن تنادي)  من يملك نفسه عند الغضب كما فعلت سيدي  أشهد أنك حجة الله فسلام عليك  ما دامت السماوات والأرض وما بقي الليل والنهار ويا ليتنا كنا معكم سيدي فمنكم  وإليكم تنتهي معايير الرجولة والبطولة وليس غريباً أن تكون امتدادات صوتكم  في  السجاد وبقيَّة الائمة فللسجاد سلام الله عليه مشهور قوله: ( هذه ومثيلاتها سيجبرنني على أن أخرج حتى أُرى مقتولاً ) عندما شاهد امراة تلتقط من سباطة الناس حيواناً ميتاً فنصحها أن ذلك لا  يجوز فهو حرام وصُدم بجوابها (لا أجد ما أُطعِمُ العيال) فلله دره من ثائرٍ يستقي من أبيه هذا الخلق ويأبى السكوت على الضيم وللآن سيدي تهزُّنا بل تتفجَّر فينا صيحاتك وتسري فتوى جهاديَّة حشديَّة تطرد غربان الدواعش والصهاينة وتقيم حجة الله على خلقه وما أسعدنا بشهادة بطعم الحياة.