دعواتٌ لتنقية الشعائر الحسينيَّة من مظاهر التشويه
بدور العامري
إن ثورة الحسين عليه السلام ليست مجرد حادثة تاريخية وقعت في تاريخ المسلمين ثم انتهت، ولا يمكن أن تقيم على أنها نهضة أطاحت بعرش الطاغوت ونقف عند ذلك، إنما في الواقع هي حركة وقضية تتجدد على مر العصور والأيام، وهي التي تمدنا بالعطاء والقوة والعزيمة والقدرة، واستنهاض كل الأخلاق والمبادئ الإنسانية، فمن الأجدر بنا اظهار هذه الأخلاقيات في ممارسة شعائرنا بأفضل صورة، وإحياء هذه الذكرى بالعمل على إزالة كل الشوائب والعوالق المسيئة لصورة تلك الثورة العظيمة.
مدرسة الأجيال
وكما ورد في روايات أهل البيت عليهم السلام أن "شأن ثورة الحسين شأن القرآن الكريم الذي لا يختص مضمونه بعصر نزوله، إنما يتجدد في كل عصر ويعالج قضايا كل عصر، فهو حي متجدد كالشمس والقمر، لهذا يسمى الحسين القرآن الناطق، لذا فإن قضيته وحركته لا بد من أن نفهمها في كل عصر، ونهضة الحسين قد سجلت فخراً للمسلمين وقد عني بها العلماء من مختلف الطوائف، واحتلت مكان الصدارة في الأحداث التي غيرت مجرى التاريخ، وستبقى بمثلها وقيمها ومواقفها مدرسة للأجيال تضيء لها الطريق، وتوفر لها العطاء، وهي ندية تنفجر بينابيع الخير والإصلاح حتى يرث الله الأرض ومن عليها، علماً بأن هذه النهضة قد تغلغلت في أعماق الوجدان الشعبي للأمة بوجه عام وللمسلمين الشيعة بوجه خاص، إذ غدت جزءاً من الجو الثقافي العام للإنسان الشيعي، وأسهمت ولا تزال حتى الآن بدور مهم في تكوين شخصيته الثقافية، وأخلاقياته الاجتماعية والسياسية، ويلاحظ أن نهضة الحسين من بين جميع الثورات في تاريخ الإسلام الحافل بالثورات، هي النهضة الوحيدة التي لا تزال ذكراها حية غضة في حاضر المسلمين، كما كانت في ماضيهم، وهي الوحيدة من بين الثورات التي دخلت في أعماق الوجدان الشعبي وكانت واعزاً وحافزاً لما تلاها من الثورات.
إحياء الحق
وبحسب الشيخ عباس الذهبي في مؤلف "أبعاد النهضة الحسينية" يقول "كان الحسين (ع) ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق، ويعلم أن القدر قد رسم له دوراً لا بد له من القيام به، ومواجهة الحقيقة المرة وهي الموت المحقق في سبيل إحياء الحق والحرية، ويروي الدينوري أنه "لما سار الحسين (ع) من (بطن الرمة) وهو مكان قريب من البصرة، لقيه عبد الله بن مطيع وهو منصرف من العراق، فسلم على الحسين وقال له: بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله، ما أخرجك من حرم الله وحرم جدك؟ فقال: إن أهل الكوفة كتبوا إلي يسألوني أن أقدم عليهم لما رجوا من إحياء معالم الحق، وإماتة البدع، قال له ابن مطيع: أنشدك الله ألا تأتي الكوفة، فوالله لئن أتيتها لتقتلن.. فقال الحسين(ع): لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، ثم ودعه ومضى"، هذا الموقف وعشرات المواقف الأخرى، لا تمثل قفزاً عن الواقع ولكنها تعني تمام الانسجام مع حقيقة أن بني أمية لا يتركونه حياً، حتى يوقع لهم على صك العبودية والاستسلام، ومن هنا أدرك أنه لا بد من تقديم نفسه كبش فداء خدمة للدين والقيم وإحياء الحق، لذلك اتخذ موقفاً نهائياً بالمواجهة مع علمه المسبق بالنتيجة.
تضليل
يدعو أهل الحكمة والرأي أن تكون المجالس الحسينية سياسية ضيقة الأفق، من خلال كتابة الشعارات ورفع الصور وكل ما من شأنه أن يشرذم المؤمنين ويدعو للفرقة بينهم، بل يجب أن يكون مجلس الحسين محتضناً جميع المؤمنين، إذ يقول الشيخ جابر الباوي: لا بد من توجيه شبابنا الجديد بالشكل الصحيح ومنع انتشار بعض الممارسات التي تسيء لشعائر شهر محرم الحرام واستذكار واقعة الطف الأليمة بطريقة واعية وذات أهداف ومبادئ تمثل الإسلام الحقيقي، مستنكراً بعض الممارسات المضللة التي يتبعها أفراد لا يمثلون الشباب المؤمن مثل (المشي على الزجاج والفحم الذي يسمونه (الزجاج المقدس) وغيرها، بينما تقول الناشطة والصحفية انتصار آل ماهود: هناك أقلام مجيرة وجيوش مجيشة تبدأ العمل قبل أن يهل شهر محرم الحرام لمحاولة ضرب وتشويه الشعائر الحسينية، فنجد من يروج لمقاطع فيديوية أو صورة سلبية تنتقص من تلك الشعائر، مثل اتهام النساء الزائرات بأبشع التهم المخلة بالحياء والشرف، كذلك وصف الرجال بأنهم مراؤون والحسين منهم براء، فكيف يقوم أصحاب المواكب بتحضير كميات كبيرة من الطعام.
نصائح وتذكير
ونتيجة لما مر سابقاً من ممارسات سلبية من البعض أثناء الشعائر الحسينية، سواء كانت بقصد أو من دون وعي أو قصد، يقدم الشيخ علاء الموسوي بعض النصائح للفئات المختصة بإقامة الشعائر خدام الإمام الحسين (ع) حيث يقول بالنسبة للشعراء: لا بد من الاعتناء بالقصيدة الحسينية، ويجب أن تكون متمحورة حول قضية الإمام الحسين (ع) بشقيها (العِبرة والعَبرة) والدروس المستفادة منها وهي بحمد الله كثيرة جداً، وأن تكون خالية من كلمات الغلو أو مما يوهمه، منسجمة كلماتها مع عقيدة أهل البيت (ع)، إذ تكون بعيدة كل البعد عن الكلمات المبتذلة أو العبارات التي قد تستغل ضد الشعائر، كذلك من المهم أن تكون واقعية بعيدة عن المبالغات والتفاخر الزائد، الذي قد يوجب المنة وتحسس ضيوف الشعائر، وبين الموسوي أنه من المستحسن جداً أن تعرض هذه القصائد على ذوي العلم المأمونين، لملاحظتها والتأكد من سلامتها، أما بالنسبة لقراء القصيدة الحسينية (الرواديد) فيذكر الشيخ الموسوي بأهمية ملاحظة ما تقدم في ما يخص القصيدة، وأن يأخذوا من الشاعر المأمون عقائدياً ومنهجياً، وأن يراعوا المظهر الحسيني البعيد عن المبالغة بتصفيف الشعر والتجمل، الذي لا يليق بالمألوم المحزون، كما يجب أن تكون حركاتهم على المنبر محسوبة لا تجر عليهم وعلى الشعائر نقداً واستهزاء وسخرية، حيث يكون الإمام الحسين (ع) وشعائره الهم الأول والأخير، غير مكترثين بما يوجب الشهرة بين الناس وعدد المشاهدات، كذلك عليهم أن يبتعدوا كل البعد عن التكتلات والجماعات التي توجههم خارج نطاق مراجع الدين العدول، لأن هناك من يزعم أن الشعائر لا تكون خاضعة لقول الفقهاء، وهو قول جاهل بعيد عن تعاليم أهل البيت (ع) فالشعائر حالها حال جميع الموضوعات الشرعية والعرفية، للقواعد العقدية ولها أحكامها الفقهية، إذ ليس من المعقول أن نترك قول الفقيه ونأخذ برأي المجهول.
جوهر القضية
أن لا تستغل المجالس الحسينية للترويج لجهة سياسية، أو جهة دينية غير مستقيمة وتبتعد عن جوهر القضية في اظهار مظلومية الإمام وآل بيته الأطهار، والعمل على استنهاض العبر والدروس من تلك الواقعة التاريخية، وبحسب الشيخ علاء الموسوي فإن "الترويج للجهات غير الصالحة فيه محاذير عديدة لا تخفى على الفطن، إذ يعد الحضور نفسه والقراءة في بعض الأماكن ترويجاً لتلك الجهة أو ذاك الحزب، أما بخصوص أصحاب المواكب فلهم بعض النصائح لرعاية الشعائر وصونها، رغم أن كثيراً منهم ملتزم بها جزاه الله خيراً، مثل اختيار الخطيب الحوزوي المعروف الذي لا شائبة عليه في الوسط الذي يفترض أنه قد تخرج منه، لذلك يجب على صاحب الموكب السؤال عن الخطيب عند الخطباء المعروفين والتأكد من صلاحه واستقامته، وقدرته العلمية التي تمكنه من نفع الجالسين، والحديث عن الخطيب وليس عن الناعي، في الوقت الذي أكد فيه الموسوي ضرورة اختيار الخطيب الذي تنطبق عليه المواصفات سابقة الذكر(المستقيم في مسيرته واختيار قصائده) يجب منع الذي يصر على الأخطاء بعيداً عن منهج الفقهاء، و لا يصح تمكينه من منبر الحسين (ع)، لأن هذا المنبر رمز هداية لا ينبغي أن يرتقيه الضالون والمضلون.