الطريق الى الله

ريبورتاج 2024/07/15
...

 مرتضى صلاح البناء


عندما سار الإمام الحسين (ع) نحو العراق منطلقاً من مشاعر مكة المكرمة، كان الناس يسيرون معه جموعاً حائرة لا تعرف عن مصير هذا المسير إلا قليلاً، فجعل «ع» يدير ناظريه بهذه الجموع وهو لا تخفى عليه نفوس أمثال تلك الجموع، فنادى متفرساً في وجوههم بالقول: (... ألا من كان باذلاً فينا مهجته، موطناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا...). وبذلك رسم مولانا الحسين (ع) طريق تلك المسيرة، إنها مسيرة إلى الله تعالى تشتملُ على التضحية بالنفس للسير في طريقه تعالى.

وهو هنا قد أبلغ في القول المبين الواضح من غير أنْ يناقشَ وجود الناس في ميدان الحج مستقبلين أعمال ليلة عرفة ونهارها بعد يومين من هذا الخروج، بل اكتفى برسم طريقه.

ومن شاء لقاء المولى عز وجل فليرحل معه ومن شاء الطواف بالكعبة والمكث في عرفة فكلاهما موجودٌ على مرّ الزمن القادم.

لقد كرس الإمام الحسين (ع) دور القدوة في هذا البيان من دون الخوض في تلافيف القضايا الشائكة التي تلتفُّ حبائلها على عواتق الخلق، ومن دواعي بحث الخلق في القدوة حبهم للكمال ومظاهر الكمال، ومن الطبيعي أنَّ النبي محمد «ص» وآله الأطهار «ع» من أعظم هذه المظاهر.

فقد قال تعالى في كتابه الكريم: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر...). 

أما وقد رحل الإمام (ع) إلى بارئه فكان لا بُدَّ من تأكيد قيمة هذا المسير وحقيقته في النفوس بالمضي على نهجه «ع» في التماس الحق ونبذ الباطل؛ وفق شروط الرسالة المحمديَّة بالوسيلة العلويَّة، فقال عليه السلام محدداً ذلك المسار (أسير بسيرة جدي رسول الله وأبي علي)، فقد اختطَّ الإمام طريق لله بنفسه على هدى النبي صلى الله عليه وآله، وخطى أبيه علي بن أبي طالب «ع»، فهذا هو الطريق إلى الله تعالى.

وليست المسألة بتلك السهولة أنْ تختارَ الطريقَ، فإذا كان سهلاً يسيراً على بصيرة الإمام المعصوم «ع»، فقد كان بالنسبة لبقيَّة الناس مدلهماً بالخطوب وغبار الحروب واختلاف الولاءات وتقلب المواقف، واختلاط حابلها بغاربها، إلا ما ندر من معادن الخلق الذين وقفوا مع الإمام ولو بأفئدتهم المهتدية إليه، وبالمقابل كان بعضٌ آخر مصطفَّاً مع الطاغية؛ مختاراً طريق الطغاة بمحض إرادته، لكنَّ خلقاً كثيراً من المسلمين وقفوا بين خط الناصر وخط الخاذل لطريق الحسين. كانت الصورة عندهم مشوشة ولا يجدون للحسين (ع) مبرراً للخروج على الحاكم الظالم واختلط عندهم العامل السياسي بالديني فضاعت عليهم بوصلة الوقوف مع الحق ومعها بوصلة الطريق إلى الله تعالى. 

فكتبوا على أنفسهم القعود عن نصرة الإمام (ع) طلباً للسلامة وبرد الغنيمة، فبخلوا عن أنفسهم حتى بحسنة موقف الرفض ضدَّ من شوه قيمَ الدين الحنيف الذي تركه رسول الله (ص) أمانة في عواتقهم إذ قال: (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، ومن يعش منكم يرى اختلافاً كثيراً....).. فكثيرٌ من الناس زاغت قلوبهم وعاشوا بعد الرسول (ص) ليروا الاختلاف الذي حدّث به (ص) ومنهم دخل في الخلاف من ظهره ليخرج من صدره لتدخل الأمة في دوامة الفتن كلما دخلت في فتنة خرجت بذنب أختها. وكل ذلك جاء من إصرار أهل الباطل على قتل الإمام الحسين (ع) وكل من سار على طريقه، حتى لم يعد للثورات دليلٌ ثابتٌ تستقرُّ معه على حلٍ يعيدُ العقولَ إلى الرشد لمعرفة طريق الله تعالى؛ الذي قال في محكم كتابه العزيز: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) يوسف آية 108. ولم يكتفوا بقتل الحسين (ع) بل بتبرئة الحاكم الظالم واتهام جنوده لاحقاً بجريمة قتله (ع)، كما فعلوا من قبل بتبرئة الخط الخارجي بقتل أمير المؤمنين علي (ع) وإلقاء كامل التهمة على أفراد شاذين، وهذا يؤدي إلى ضياع جهد خط الإمام (ع) في فضح سلطة الحاكم الجائرة ونزع شرعيّتها وهدّ أركان دولتها بثورته العظيمة وتضحياته التي خلّدها الزمان.