ذكريات الحب على الجدران وجذوع الشجر

ولد وبنت 2024/07/15
...

  كريم هاشم العبودي

 رغم كل مواقع التواصل الاجتماعي التي سهلت للأحبة الأوفياءالتواصل فيما بينهم، إلا أن أغلب العشاق يفضلون نحت ذكرياتهم وخواطرهم على جذوع وأوراق الشجر، وحسب قول الفنان الراحل فريد الأطرش ( لكتب عاوراق الشجر سافر حبيبي وهجر يا حبيبي دخلك عود يكفي غياب وسفر) فعلاقة العشاق بالأشجار وطيدة ولا يكاد يخلو متنزه الزوراء أو حدائق الجادرية أو أي حديقة عامة من مظاهر تلك العلاقة ، يا ترى ما العامل النفسي الذي يدفعهم إلى ذلك؟ هل الغرور أم تخليد الحب أم تقليد الآخرين؟.

يقول مدحت الربيعي أبو مصطفى / معاون طبي : أردت تحضير مفاجأة لزوجتي وحين اقترب موعد عيد زواجنا اصطحبتها إلى إحدى حدائق الجادرية حيث كنا نتقابل قبل زواجنا بسنوات، وهناك كانت المفاجأة جلسنا عند شجرة زيتون كبيرة كنت قد نحت عليها الأحرف الأولى من اسمينا داخل قلب صغير وظل النقش موجوداً على جذع الشجرة، استغربت زوجتي وكانت غاية في السعادة وتذكرت أنا ضاحكاً كيف اتهمتني بالمراهقة حين فعلت ذلك يومها. لعادة تسجيل مشاعر الحب على الأشجار مزايا عديدة أهمها تصفية الخلافات بين الحبيبين. 

ذلك ما تؤكده تغريد عمر  / طالبة جامعية ) والتي تضيف : كلما وقع خلاف بيني وبين خطيبي نذهب معاً إلى جزيرة بغداد السياحية نجلس في المكان الذي شهد أجمل أيام حياتي عند تلك الشجرة التي نحتنا عليها اسمينا وتاريخ لقائنا الأول، نتذكر أيامنا الحلوة معاً، فتحل مشكلاتنا وتزول تلك الغمامة  السوداء وتعود المياه إلى مجاريها بكل ود واحترام.

 قد يكون النقش بالشجرة سبباً للزواج ذلك ما حدث فعلاً مع اسراء الخفاجي، متزوجة منذ أعوام تقول الخفاجي : كنت أعيش وزوجي مشكلات وأزمات عصيبة في بداية زواجنا، إذ فوجئت بأن ظروف الحياة اختلفت كثيراً عما كنت أتوقعه وأحلم به قبل الزواج. تطورت المشكلات بيننا إلى حد إصراري على الطلاق. لكنه لجأ إلى حيلة ذكية أنهت الخلافات بيننا، حيث أرسل لي  بيد شقيقته الكبرى مظروفاً معطراً في داخله صورة شجرة كنا نحتنا عليها اسمينا في فترة الخطوبة يوم تعاهدنا على البقاء معاً إلى الأبد حينها عدت إلى رشدي وألغيت فكرة الطلاق. 

 يشرح الباحث في علم النفس ماجد فاضل العزاوي هذه الحالة فيقول : الدوافع التي تحث العشاق على تأريخ ذكرياتهم على الشجر وأحياناً على أوراق الورد، هناك دافعان أساسيان يحفزان على ذلك هما دافع الإشهار ودافع الخلود، فالعاشق يريد أن يشهد كل الناس على صدق عواطفه تجاه معشوقته وهذا يعطي دليلاً على رغبته الصادقة في استمرار العلاقة. كما أن لحظة تفكير العاشق في تدوين اسمه واسم معشوقته يتزامن مع ما يسمى بحالة الوجد التي تنتابه الذي يبغي أن تظل كتابته تلك موجودة لأطول فترة ممكنة، إنه دافع الخلود، أي خلود العواطف والمشاعر. هناك آثار إيجابية لهذه الممارسات العفوية بين العشاق وقد تكون سبباً في انتعاش المشاعر الوجدانية، إنها أيضاً وسيلة تقليدية وبسيطة لتأكيد صدق المشاعر.

أما الإعلامي كاظم الوائلي  فيستذكر بألم بالغ أيام أفلام الأبيض والأسود فيقول : تعلمنا أن أقصى أشكال الرومانسية عندما يكتب الأحباء أسماءهم وعبارات تخلد حبهم على الجدران أو جذوع الأشجار، وفي الجامعة مر أغلبنا بالتجربة. لكن هذا النوع من الرومانسية بدأ في التراجع، فاسحاً المجال للكتابات السياسية، ولجوء المحبين إلى جدران التواصل الاجتماعي، فهل يمكن اعتبار هذا التراجع نوعاً من اندحار الرومانسية ذاتها أم تطورها إلى شكل يناسب العصر.

ويضيف : سبب تضاؤل الكتابات الرومانسية على الجدران أرجعه إلى الظروف الاجتماعية والسياسية التي مر بها العراق، فضلاً عن مواقع التواصل الاجتماعي، فالجدران الآن تنوء بعبارات أخرى، حلت مكان الكلمات الرومانسية بجانب تحول كثير من الطلبة للافادة من التقنية الحديثة ممثلة في مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عما تكنه صدورهم، فأصبحت هذه الجدران اليوم  جزءاً من زمن اندثرت معه رومانسية المشاعر.

 وتشاركنا الحديث أميرة هاشم / موظفة  مدافعة عن شباب هذه الأيام واصفة إياهم بأنهم أكثر وعياً بالظروف والمخاطر التي يمر بها البلد، لذلك غدوا أقل رومانسية، والبعض منهم ترك مراهقته وعواطفه داخل أسوار المدارس قبل الانتقال إلى الكليات.الكثير من أصدقاء أميرة لا يرون في تلك الكتابات إلا انعكاسا لضعف الشخصية وعدم صدقها، ولا يعترفون بالمشاعر التي تكتب على الجدران ويصفونها بالعبث و أنها من الممكن أن تتحول إلى سلاح للتشهير والإساءة، فهناك من الطلبة من يحاول الانتقام من إحداهن بكتابة كلمات وألفاظ جارحة على الجدران.

لكن الرومانسية لا تزال حاضرة في كليات أخرى بحسب اعتراف خالد الشيخلي / ماجستير لغة عربية، مؤكداً أن رومانسية الجدران لم تمت، وبالرغم من أنها الوسيلة الأقل ثمناً، إلا أنها الأكثر رومانسية وجهداً، موضحاً كلامه بأنّ هناك من يقوم بجرح اصبعه لكي يكتب بدمه كلمة «أحبك لمن يعشقها، أو يحفر اسمها بأداة حادة على الجدران أو الأشجار.

شيماء محمد (باحثة اجتماعية) قالت: إنه طالما بقيت الجدران وجذوع الأشجار، سيظل هناك شعور يتملك الطلبة بأنهم معزولون خلفها أثناء اليوم الدراسي عمّن يحبون وهذا يدفعهم لكتابة أسمائهم على الجدران ليعلنوا حبهم على الملأ، ما يشعرهم بالراحة النفسية، فتلك الرسومات كـالرصاصة الأخيرة في جيب العاشق حين يصبو إلى نيل رضا محبوبه.

وأشارت إلى تنوع الكتابات الجدارية بتفاوت الأعمار، فطلاب المرحلة الابتدائية يكتفون بكتابة أسمائهم للتعبير عن وجودهم، أما طلاب المرحلة الإعدادية فيقومون بكتابة رموز لتخليد صداقتهم، أو لنقل عذابهم أو لإثبات رجولتهم أو أنوثتهنّ، أما في الجامعات فيقوم الطلاب بتفريغ ما بداخلهم وما يشعرون ويفكرون به على الجدران لتوصيل أو تمرير رسائل بداخلهم.