عبدالله حميد العتابي
لا أجانب الحقيقة إذا ما قلت إنَّ ثورة الإمام الحسين "ع" هي ثورة إنسانيَّة كبرى بكل أبعادها، حدثت في عصرٍ معينٍ لكنَّ إشعاعاتها وقيمها ومثلها ومحتواها الإنساني الكبير تشعُّ على كل الأمم ما دام الجور والطغيان يسودان العالم.
والحق فإنّ استحضار قيم تلك الثورة الخالدة في ضمائر الأحرار في كل لحظة من لحظات هذا الزمن الذي تجبَّرَ فيه الطغاة وازدادوا عتواً كبيراً وتمادوا في غطرستهم وعنجهيتهم وظلمهم لشعوبهم. وحين نستحضر قيم تلك الثورة الخالدة وأهدافها لننهل من نبعها الصافي ودفقها المتجدد تزداد ثقة وعزيمة بقدرة كل من سلب حقه وامتهنت كرامته وصودرت آماله ووضع نصب عينيه ثورة الإمام الحسين لانتزاع حقه المهدور لأنه لا بُدَّ أنْ يقول للدكتاتور قف عند حدك لأنَّ ساعة الحريَّة قادمة بلا تأخير.
لقد فجر الإمام الحسين عليه السلام ثورته الكبرى ودكَّ حصونَ الظلمِ وقلاعَ الجور. ولا أبالغ بالقول تعدُّ ملحمة كربلاء من أهم الأحداث العالميَّة، بل من أهم ما حققته البشريَّة من إنجازاتٍ رائعة في ميادين الكفاح المسلح ضد الظلم والطغيان فقد غيرت مجرى تاريخ الشعوب الإسلاميَّة وفتحت لها آفاقاً مشرقة للثورة على الدكتاتوريَّة.
لقد ألهمت هذه الملحمة الخالدة عواطف الأحرار في سبيل تحرير المجتمع من نير العبوديَّة والذل وإنقاذه من الحكم غير الشرعي. إنَّ ثورة الإمام الحسين لم تكن ثورة انفعاليَّة ولا حركة عشوائيَّة ينقصها الوضوح في الرؤية أو القصور عن تحديد الغايات والأهداف بل كانت ثورة واعية لها رؤيتها الواضحة وأهدافها المحددة والتي كشف عنها مفجّرها في أول بيانٍ من بياناته المتعلقة بها وذلك حين جلجل في صوته النابض بالحريَّة "إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدي، أريد أنْ آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردَّ عليَّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين).
وما أشبه اليوم بالأمس وبعد أربعة عشر قرناً من الثورة الحسينيَّة الخالدة وما لحق بها من أذى وظلم وإرهاب نعيشه هذه الأيام في ظل هجمة إرهابيَّة دمويَّة استهدفت الشعب الفلسطيني من قبل الكيان الصهيوني وما نراه ونلمسه من تهرب ونكوص عربي وإسلامي لدعم هذا الشعب الثائر من طغيان الكيان الصهيوني وتهرب الشعوب العربيَّة والإسلاميَّة من دعم تصدي الشعب الفلسطيني في غزة لقوات الكيان الصهيوني وما يحصل له من مجازر دمويَّة لهو تعبيرٌ حقيقيٌ عن تكرار التاريخ نفسه فثورة غزة هم امتدادٌ لثورة الحسين وأسرته ورفاقه الذين ضحوا بدمائهم الزكيَّة لتبقى الثورة الحسينيَّة خالدة في ضمائر الشعوب. إنَّ الدفاع الأسطوري لشعب غزة وصموده منذ أكثر من تسعة أشهر مستلهماً من ثورة الحسين معانيها الخالدة سيبقى دليلاً على عظم ثورة الحسين.