طقوس عاشوراء في لبنان والعراق

ريبورتاج 2024/07/16
...

 غفران حداد

يوم العاشر من محرم له مكانة خاصة عند المسلمين كيف لا، وهو يوم عاشوراء، يوم عزاءٍ وحزنٍ كبيرين وفيه قتل الإمام الحسين بن علي حفيد الرسول محمد عليهم السلام،
وقبل دخول شهر محرم ترفع الرايات السود في لبنان والعراق وإيران وباكستان والهند والكثير من الدول، عاشوراء ترمز للظلم الكبير الذي تعرض له الإمام الحسين، فقد تمت محاصرتهم من قبل جيش يزيد بن معاوية فقطع رأس الحسين وسبيت النساء، وهنا في ضواحي بيروت بشكلٍ خاصٍ ومنذ اليوم الأول من شهر محرم
ولمدة 40 يوماً نرى فترة الحداد من ارتداء اللباس الأسود وتقام مجالس العزاء في المنازل وفي الحسينيات وفي كل يوم تسرد ملحمة كربلاء ويتلى الشعر عن الإمام الحسين واخوته وأولاده وأصحابه وتختم المجالس بالدعاء لقضاء حوائج الحاضرين في المجلس.

كرم الناس في إعداد المواكب
من العادات والشعائر التي يحافظ عليها محبو أهل البيت عليهم السلام في لبنان توزيع المياه بين الناس في الشوارع وفي جميع المواكب، فالمياه لها مدلولٌ تاريخيٌّ، فقد منع الماء عن الحسين وأهله من قبل جيش يزيد بن معاوية ورغم
الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمرُّ به الشعب اللبناني اليوم، خصوصاً من بعد أحداث الحرب الدائرة في الجنوب مع العدو الإسرائيلي من بعد أحداث طوفان الأقصى، إلا أنَّنا نرى كرم الناس في إعداد مواكب طعام مثل تقديم أطباق الهريسة وتوزيع الكعك وطبق القيمة وهي أكلة عراقيَّة مكونة من اللحم والحمص تقدم
إلى جانب (التمن) ويقصد به باللهجة العراقيَّة الرز، لذا تعدُّ أكلة (التمن والقيمة) من أبرز وأهم المأكولات وهذه الوجبة الغذائيَّة الدسمة وصلت الى لبنان منذ مدة ليست قريبة من خلال العراقيين القاطنين في لبنان وأضافوا هذا الطبق للمطبخ العاشورائي وأقاموا مجالس عزاء
تشبه تلك التي عايشوها في مدن بلدهم الأم، وتشهد غالبيَّة مناطق ضواحي بيروت حراكاً غير طبيعي يبلغ أوجّه عشيَّة يوم العاشر من محرم ومن يقم مواكب الطعام يكن مال إعدادها من جيبهم الخاص أو من خلال تبرعات محبي الحسين وجميع من يعمل في إدارة مواكب الضيافة فيه من المتطوعين وحتى الرواديد الذين يلقون الأشعار مجاناً خلال المراسيم، فمأساة كربلاء هزت وجدان المسلمين في كل بقاع الأرض وهكذا.

ملحمة عابرة للأديان
أصبحت الشعائر الحسينيَّة وطقوس إحياء ملحمة كربلاء في أيام وليالي شهر محرم جزءاً من التاريخ الديني والاجتماعي وارتباطاً وثيقاً تجذّر في الذاكرة الشعبيَّة في لبنان الذي يعدُّ البلد العربي الثاني بعد العراق في إقامة هذه الشعائر من كل عامٍ، لا سيما في مدينتي النبطيَّة وبنت جبيل، ويتشابه لبنان والعراق في كثيرٍ من الأحداث السياسيَّة بخصوص هذه الواقعة حيث تعرض محبو الإمام الحسين عليه السلام الى منع إقامة مراسم عاشوراء أو إحياء أربعينيَّة الإمام الحسين عليه السلام، فحين كان لبنان تحت الحكم العثماني (1516 – 1918) من قبل السلطة العثمانيَّة منعت الأخيرة آنذاك إحياء ذكرى عاشوراء بل وشكلت رقابة لدوريات عسكريَّة تدور في الشوارع والطرقات لمنع إقامة أيَّة شعائر حسينيَّة وبوضع حراسة دائمة على مدخل كل حسينيَّة لمنع إقامة مجالس التعزية أو تقديم أيَّة مسرحيات شعبيَّة في شوارع المدن والتي تجسد اليوم الأليم لأهل البيت عليهم السلام، أما في العراق حين كانت السلطة قبل عام 2003 فحُرم الشعب العراقي بشكلٍ مطلقٍ من إحياء ذكرى عاشوراء، بل سجن العديد من الذين كانوا يؤدون طقوس ذلك اليوم وكانت قوات الأمن تحاصر مدينتي كربلاء والنجف لمدة شهرين وتضع نقاط التفتيش على جميع الطرقات المؤدية الى كربلاء ومن يتحدى الدولة القمعيَّة يُقتل أو يُعتقل، لكنْ بعد سقوط النظام المباد وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود تنفس العراقيون الحريَّة وأصبحوا يحيون ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام ومصاب أفراد أسرته قبل نحو 1400 عام على أرض كربلاء، ليصبح يوم عاشوراء ليس مجرد موقعة حربيَّة بل إنه بمرور الزمن أضحت علامة فارقة في تاريخ الإسلام السياسي والمذهبي لتصبح كربلاء ملحمة عابرة للأديان
والشعوب.