جرح تاريخي وإنساني

فلكلور 2024/07/21
...

 وليد خالد الزيدي


حينما نريد التعرض لحقائق التاريخ ونغوص في أعماقه ونبلغ من العلميَّة مأخذاً كبيراً في جزئيته الأكاديميَّة كعلمٍ ملموسٍ قائمٍ بحد ذاته يجب أنْ نتحاشى قليلاً الخوض في العقائد والبعد اللاهوتي حتى لا نقع في شبهة الانحياز للدين أو تهمة التمسك بالغيبيات والقيم والعبادات والطقوس والعواطف فالتاريخ هو سجل أعمال الإنسان وما جرى عليه وتأثر به وما حدث في الأزمان الماضية لا سيما حينما نتناول حدثاً إسلامياً مفعماً بالعقائد والتأثير الروحي الإيماني وأحاسيس العظمة ومشاعر الجلل كنهضة الإمام الحسين "ع" وحركته الإصلاحيَّة كانعطافة خطيرة في مسيرة الإسلام ورفعة الدين والتضحية في سبيل الله ليصل إلينا كاملاً تامَّاً رفيعاً مترفعاً عن أهواء الدنيا وملذاتها ليكون دين زهدٍ ونقاء.

حركة أبي الأحرار وآل بيته وأصحابه في موقعة الطف الخالدة بلغت أحرار العالم كحدثٍ تاريخي ملموسٍ رغم ما فيه من شواهد خارج نطاق ما ألفه العقل البشري ارتقت الى مستوى السمو ودرجة الرفعة ومرتبة المقدس، لأنَّ التاريخ الإنساني حينها تزامن مع انبثاق الإسلام ومصاعب انتشاره ومعرقلات تثبيته ليصل الى الناس جميعاً كما أراد له الله (تعالى) كدعوة لإحقاق الحق وإقامة العدل ونشر الفضيلة فموقعة كربلاء المعروفة تاريخياً بـ(معركة الطف) كانت حقيقة مطبقة قادت مؤرخي العالم في ذلك الزمن ليضعوا نصاً صريحاً شديد اللهجة أتاح لكل المفكرين الحكم على الدين الجديد بأنه جاء ليرفع الإنسان فوق الخوف والحقد بعيداً عن الخنوع والإذعان الى الباطل هذا من جهة، ومن جهة أخرى نتاج مميز لطبيعة رموز الإسلام المؤمنين وأول تجسيدٍ عمَّا يمكن تسميته بالثبات على المبدأ والتضحية في سبيله بالأجساد والأرواح ليكون أكثر أيام التاريخ جراحاً وإراقة للدماء ما عزز من عوامل انتشار الإسلام.

صاحب المأثرة الإمام الحسين (ع) يوم العاشر من محرم، خاطب المجتمع الإنساني ليسجل حينها أبرز ملحمة عرفتها البشريَّة بصورها المأساويَّة وتفاصيلها الكارثيَّة وصبغتها الدمويَّة فكانت وما زالت مناراً للثائرين ضد الظلم والقهر والفساد متمثلة بإصرار سبط النبي (ص) على رفض حكم بني أميَّة القائم على الظلم والجور والفساد وبهذا المعنى تحدث مفكرون عالميون كثيرون ومنهم المستشرق الأميركي غرونييام بالقول (إنَّ واقعة كربلاء ذات أهميَّة كونيَّة فقد أثرت الصورة المحزنة لمقتل الحسين الرجل النبيل الشجاع في المسلمين تأثيراً لم تبلغه أمة أخرى فكانت مأساتها أساساً لآلاف الصور المفجعة) ورغم قلة رجال الإمام الحسين مقارنة بأعداد عدوهم غير أنَّ إيمانهم بالشهادة رفع عزمهم الى عنان السماء فأصروا على الكفاح حتى الموت وقاتلوا ببسالة وتركوا أثراً عميقاً منذ ذلك التاريخ ظل يتحدى السنين وكان منار إعجاب المؤرخين وسبيلاً لنضال أحرار العالم عبر قرون الزمن حتى يومنا

هذا).

لم يعد انبثاق الثورة الحسينيَّة حدثاً تاريخياً عابراً فقد تعاملت معها مصادر التاريخ الإنساني على أنها شجرة معطاءة تؤتي ثمارها بما حملته في سرها الكامن من خلود مشرق تجاوز الحدود المألوفة لكل الثورات البشريَّة ونهضة عكست في مكوناتها وتداعياتها جوانب حياتيَّة مختلفة وأسهمت بتكوين منظومة ثوريَّة بشريَّة لمناهضة الظلم وحكم الطغاة المنحرفين والالتزام بالقيم والدفاع عن المبادئ فهي لم تنطلق كحركة عشوائيَّة من مبدأ الصدفة بل شقت طريقها عبر أسبابٍ موضوعيَّة ومنهجيَّة جمعت بين العقائد الدينيَّة والقيم

الانسانيَّة.