شنغهاي بديلاً عن متعدد الأقطاب

آراء 2024/07/21
...

 سيف ضياء

لا يخفى على الجميع الحدث التاريخي المهم والذي وقع في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي و تفكك الاتحاد السوفييتي إلى 15 جمهورية مستقلة، مما ادى إلى اختلال نظام القطبية الدولية، الذي كان سائداً خلال الحرب الباردة، وبروز ظاهرة “القطبية الأحادية” التي تميزت بسيطرة الولايات المتحدة كقوة عظمى مهيمنة على مجريات الأحداث الدولية دون وجود منافس يضاهيها

 كما واجهت انتقادات لسياساتها الخارجية التي اعتبرت متغطرسة وجبارة، إذ اتهمت بالتدخل في شؤون الدول الأخرى وشن الحروب وتغذية النزاعات، لكن من المهم أيضاً ملاحظة الإيجابيات التي رافقت القطبية الأحادية الأمريكية، مثل ازدهار التجارة العالمية وانتشار الديمقراطية في بعض أنحاء العالم، وبالتزامن مع بروز شمس الألفية الجديدة وصعود قوى جديدة بالاضافة إلى عودة روسيا سليلة الاتحاد السوفيتي، والتي ينظر لها على أنها تلعب دوراً مهماً في إعادة التوازن إلى النظام الدولي؛ فمنذ توليه السلطة يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إعادة روسيا إلى مكانتها كقوة عظمى على الساحة الدولية، بالتعاون مع قوى جديدة على الساحة العالمية مثل الصين والهند وجنوب إفريقيا، إذ تسعى هذه الدول، إلى جانب روسيا، إلى إقامة عالم متعدد الأقطاب، يكون فيه توزيع القوة أكثر عدلاً وانصافاً، وهذا ما تبنته الدول في مبادرة “الوحدة العالمية من أجل السلام العادل والوئام والتنمية”، في البيان الختامي لاعمال القمة 24 لمنظمة شنغهاي للتعاون المتعارف عليها اصطلاحاً بـ (SCO) في العاصمة الكازاخستانية استانا وتحديد التوجهات الرئيسية للمنظمة واعتماد على ضرورة التعاون باعتبارها واحدة من الجمعيات الرئيسة في عالم متعدد الأقطاب، واتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على الظروف المؤدية إلى الإرهاب والتطرف، وزيادة الجهود المشتركة لمنع انتشار الأيديولوجيات المتطرفة، وأي تعصب ديني وكراهية الأجانب، والقومية العدوانية، والتمييز العرقي والعنصري، كما دعت إلى اصلاح شامل للامم المتحدة لضمان تمثيل اكبر لدول عالم الجنوب وكذلك الوقوف ضد العقوبات الاحادية والقيود التجارية التي تعد بمثابة تقويض لنظام التجارة المتعدد الاطراف، كما وادان البيان الختامي بشدة الاعمال التي ادت إلى سقوط الضحايا المدنيين والوضع الانساني الكارثي في غزة، إضافة إلى التطرق إلى العديد من المواضيع الاخرى كالبرنامج النووي الايراني والمناخ والذكاء الاصطناعي، وكذلك جرت على هامش القمة مباحثات بين الرئيس القطري ونظيره الروسي، إذ تعد قطر شريك حوار في المنظمة إلى جانب السعودية والإمارات والبحرين والكويت ومصر، إضافة إلى تركيا وأذربيجان وأرمينيا والمالديف وميانمار ونيبال وكمبوديا وسريلانكا؛ إذ تسعى المنظمة منذ تأسست عام 2001، إلى ترسيخ حضورها كفاعل رئيسي في رسم ملامح نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، تضم في رحابها تسع دول عظمى: تتمثل بالصين، روسيا، كازاخستان، قرغيزستان، طاجيكستان، أوزبكستان، الهند، وباكستان، فضلا عن انضمام بلاروسيا مؤخراً، إذ تمتد رقعة هذه الدول الأعضاء لتشمل مساحة شاسعة من آسيا الوسطى إلى شرق آسيا، مما يجعلها تمثل أكثر من نصف سكان العالم، كما انها قد حققت إنجازات هائلة خلال مسيرتها الحافلة، فقد نجحت في تعزيز التعاون الأمني بين الدول الأعضاء عبر إجراء مناورات عسكرية مشتركة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وساهمت بشكل فعال في تعزيز التجارة والاستثمار بين الدول الأعضاء، وقامت بإنشاء العديد من المشاريع المشتركة في مجالات الطاقة والبنية التحتية.

بشكل عام، يمكن القول بأن منظمة شنغهاي للتعاون لاعب استراتيجي ذو تأثير هائل على الساحة الدولية، إذ تقدم المنظمة نفسها كبديل عن النظام الدولي أحادي القطب، وتسعى جاهدة لخلق عالم جديد متعدد الأقطاب، حققت المنظمة العديد من الإنجازات خلال مسيرتها، لكنها تواجه بعض التحديات التي تتطلب حلولاً مبتكرة، لذلك فإن دور منظمة شنغهاي للتعاون في النظام الدولي الجديد لا يزال قيد التطور ومن المبكر استشراف مستقبل المنظمة بشكل دقيق، لكن لا شك أنها تُمثل فاعلاً هاماً يجب أخذ دوره بعين الاعتبار في رسم ملامح العالم خلال العقود القادمة.