مثنى إبراهيم الطالقاني
شهدت العلاقات العراقية التركية خلال النصف الأول من هذا العام، تطوراً كبيراً على مستوى تعظيم الاقتصاد والتجارة بين البلدين وبالأخص توقيع ما يقارب من عشرين معاهدة ووثيقة أبرزها طريق التنمية.
لكن التناقضات والتوترات من جانب أنقرة، تبقى حاضرة، خصوصاً مع التوغل التركي المستمر في شمال العراق، ترى ماذا تُريد انقرة بهكذا خطوات استفزازية؟
في الوقت الذي تتصاعد فيه الأحداث مع توغل القوات التركية في شمال العراق وتصريح للرئيس التركي أردوغان، عن نيته بتنفيذ عملية عسكرية شاملة للقضاء على ما يسميه بالتهديدات الحدودية ولملاحقة حزب العمال الكردستاني التركي.
هذا التوغل العسكري أثار امتعاض حكومة السيد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي زار تركيا في وقت سابق واتفق مع الرئيس أردوغان على حل عدة ملفات منها الأمن والماء.
ويُريد العراق أن يحافظ على سيادة أراضيه وخفض التوترات على الحدود، من خلال اتخاذ عدة خطوات لجر الأتراك لطاولة الحوار، وهذا ما تمثل بالخطاب الرسمي لمتحدثي الحكومة، ولكن الأتراك يتحججون بضرورة المنطقة الآمنة بعمق 40 كيلو مترا داخل الاراضي العراقية، بسبب وجود حزب العمال الكردستاني التركي، خصوصاً أن هناك اتفاقية قديمة أباحت لهم تجاوز الحدود.. هذا التوغل التركي أدى إلى تهجير سكان أكثر من 800 قرية، وحرق مئات البساتين، وتسبب في عدم وصول الخدمات لمئات الآلاف من المواطنين في مدينة دهوك.
وما يفسر هذا التنافض الذي تديره أنقرة أنها وجهت اتهامات في تصريح سابق، أن قوى عراقية نافذة تقدم الدعم لحزب العمال الكردستاني، في الوقت الذي كان الأجدر بحكومة أنقرة فتح حوار مع الجناح المدني لحزب العمال الكردستاني، الذي يملك تمثيلا برلمانيا كبيرا في مجلس الامة التركي وتمثيل حزبي نافذ، بدلاً من فتح حرب لا تحسمها الدبابة التركية في الشمال العراقي، رغم تصنيف الحكومة العراقية للحزب بأنه إرهابي وتعاونت مع حكومة تركيا، لإيجاد حل نهائي في الفترات المقبلة.
على صعيد محلي تمثل زيارة بارزاني في الأسبوع الماضي إلى بغداد محاولة إيجابية، لترميم الثقة وتعزيز التعاون السياسي بين بغداد وأربيل.
وتأتي هذه الزيارة في إطار جهود مشتركة لحل الملفات العالقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، وهي خطوة استراتيجية نحو إعادة بلورة التحالف الثنائي «الكردي الشيعي».. زيارة بارزاني تأتي بعد زيارة ناجحة لرئيس إقليم كردستان، نيجرفان بارزاني، إلى طهران في شهر أيار الماضي، حيث شهدت تلك الزيارة تحسناً في العلاقات بين الإقليم والجمهورية الإسلامية، ولم تكن المشاورات بعيدة عن مناقشة المشكلات العالقة مع تركيا.
ومع تصاعد الأحداث أرسلت حكومة بغداد مستشارها للأمن القومي قاسم الأعرجي للتباحث مع القيادة الكردية، لتوحيد المواقف تجاه أي تطور، والبحث في كيفية التحرك على المستوى السياسي لإيقاف زحف القوات التركية نحو الشمال العراقي، هذه الخطوة تأتي في إطار جهود الحكومة العراقية لحماية سيادتها وضمان استقرار المناطق الحدودية.
وبالإمكان أن نتصور ماهي السيناريوهات المحتملة، بعد توغل الجيش التركي في شمال العراق.. بالدرجة الأولى التحرك الدبلوماسي السريع وأن تتجه الحكومة العراقية إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية لإيقاف التوغل التركي، يمكن أن تشمل هذه الجهود تقديم شكاوى إلى المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بالإضافة إلى عقد اجتماعات طارئة مع دول الجوار والدول الكبرى للضغط على تركيا للتراجع عن عملياتها العسكرية.
والخطوة الثانية المحتملة أن تقوم الحكومة العراقية بتعزيز التعاون العسكري مع سلطات الإقليم وقوات البيشمركة للتصدي لأي تهديدات تركية مشتركة، هذا التعاون يمكن أن يشمل تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق العمليات العسكرية في المناطق الحدودية.
والسيناريو المحتمل الآخر في حال لم تتم تسوية الأمور في إيقاف تصاعد التوغل التركي، وعدم تجاوب أنقرة مع الحلول الدبلوماسية، قد تلجأ الحكومة العراقية إلى الخيار العسكري المباشر رغم كل شيئ.. وهذا التحرك يمكن أن يشمل نشر قوات إضافية على الحدود الشمالية والاشتباك مع القوات التركية إذا دعت الحاجة.
ومن أفضل الخيارات التي يمكن للحكومة العراقية استخدامها كورقة اقتصادية للضغط على تركيا، مثل تقليص التبادل التجاري أو فرض عقوبات اقتصادية، هذا الخيار قد يكون فعالاً نظراً للعلاقات التجارية القوية بين البلدين، وبالتالي ستنظر أنقرة في مصالحها وعدم التفريط بجار استراتيجي مهم في المنطقة كالعراق.
لذا يتوجب على للحكومة العراقية في ظل التطورات الأخيرة أن تعقد الآمال على الإرادة السياسية، والتعاون المشترك بين بغداد وأربيل لتحقيق تقدم ملموس في حل الملفات العالقة وتعزيز الاستقرار في العراق، ومواجهة أي اعتداءات ستضر بأمن البلد، ورغم التحديات الأمنية والسياسية المتزايدة، كل الاحتمالات تبقى واردة، والحكومة العراقية أمام تحدٍ كبير، لحماية سيادتها ووحدة أراضيها مع بذل أفضل الجهود الدبلوماسية لدرء اي مواجهة حربية مباشرة.