ساطع راجي
تعرضت إيران لهزة كبيرة بمقتل رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي، وعدد من أركان الحكومة في حادثة سقوط الطائرة، لكن الدولة الإيرانية بقيت متماسكة بفضل الالتزام بالدستور، الذي يحدد مناقلة المسؤوليات في الحالات الاستثنائية وآليات ملء المناصب الشاغرة كما في كل الدساتير، وإيران التي فقدت رئيسها يوم 19 آيار انتخبت رئيسا جديدا هو سعيد بزشكيان في 6 تموز عبر جولتين انتخابيتين، ورغم الخلاف الحاد بين المتنافسين لكن مرحلة الانتخابات، تم عبورها بسلاسة وتوجهت الأنظار إلى ترتيبات الرئيس الجديد وتشكيلته الحكومية.
في فرنسا، تعرض حزب رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون لخسارة واضحة في الانتخابات الأوروبية، فقرر الرئيس حل البرلمان لمنح الشعب فرصة التعبير عن توجهاته دون انتظار الانتخابات المقبلة، وحل البرلمان في 9 حزيران وجرت الانتخابات على مرحلتين، الأولى في 30 حزيران والثانية في 7 تموز، وأعلنت نتائج كل مرحلة خلال ساعات واعترف الجميع بالنتائج وانشغلت القوى السياسية الفرنسية بالتعامل مع النتائج المعقدة وطوت صفحة الانتخابات سريعا.
أما رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، زعيم حزب المحافظين، فكان قادرا على البقاء في السلطة حتى يوم 28 كانون الثاني 2025، لكنه شعر بضرورة العودة إلى الشعب بعد سلسلة التقلبات وتغيير رؤساء الحكومات منذ الانتخابات السابقة، وتوقع المراقبون اجراء الانتخابات في الخريف، لكن سوناك أعلن يوم 22 حزيران الماضي حل البرلمان خلال أسبوع واجراء انتخابات في 4 تموز، وانسجم الجميع مع هذا القرار ولم يعترض أي برلماني على انهاء عمر البرلمان قبل أشهر من الموعد المحدد، لوجود غطاء قانوني للحل وللانتخابات المبكرة التي جرت بسلاسة وأعلنت النتائج خلال ساعات قليلة بهدوء، وتعرض سوناك وحزبه لخسارة فادحة وسلموا السلطة لخصمهم التاريخي حزب العمال، وفي دقائق خرج سوناك من قصر بكنغهام بعدما سلم الاستقالة للملك بينما دخل زعيم حزب العمال كير ستارمر ليتسلم تكليف الملك بتشكيل حكومة جديدة.
من هذه الحالات الانتخابية الناجحة، المتقاربة زمانيا والناجمة عن أزمات، يتضح أن الالتزام الواضح بالدساتير والاستشعار الأخلاقي لتوجهات المواطنين والسلاسة الإجرائية للانتخابات هي ضمان الاستقرار السياسي والمجتمعي وهي أيضا ضمان لثقة المواطنين بدولتهم وبحكامهم، حتى إذا اختلفوا معهم حد الكراهية، وفي كل الأحوال لا يمكن تنزيه أي نظام سياسي من الفساد والتخادم والتلاعب، لكن في المقابل لا يُسمح للمتنافسين بتهديد السلم الاجتماعي والتحريض والتهجم والتشكيك بكل شيء، وهذا إلتزام أخلاقي قبل أن يكون التزاما قانونيا، في مقابل التزام المؤسسات الانتخابية بالوضوح والمصداقية وبالتوقيتات، لتحمي نفسها من الاتهامات وتطوير قدرتها على اجراء انتخابات سريعة خلال أيام بكلف مالية معقولة، وأن تكون الانتخابات ممكنة في أي وقت لفض النزاعات الحادة.
إن إخضاع العمليات الانتخابية ونتائجها للترتيبات الحزبية والتحالفية ينزع المصداقية من النظام السياسي كما أن المماطلة والالتفاف على التوقيتات الدستورية والقانونية لإعلان النتائج وانعقاد المجالس المنتخبة وتنصيب المسؤولين بانتظار عقد الصفقات أو لممارسة الضغط، يفرغ العملية الانتخابية من مضمونها ويؤدي إلى انخفاض نسب المشاركة وفتح الباب للممارسات العنفية، لفرض الإرادة بعدما فشلت صناديق الاقتراع في إدارة الحياة السياسية.