حمزة مصطفى
إذا رشحنا شخصا هذا العام 2024 تنطبق عليه المقولة المشهورة «رب ضارة نافعة»، فهو الرئيس الأميركي السابق والمرشح الحالي دونالد ترامب. ضارات كثيرة كان ينبغي أن تطيح به في سباقه مع الرئيس الحالي جو بايدن، وفي المقدمة منها فضائحه المتعددة والمتنوعة، التي أدين بموجبها قضائيا طبقا لقرار المحاكم الأميركية. الذي حصل أنه بدلا من أن يذهب ترامب إلى السجن في واحدة أو أكثر من 32 دعوى قضائية «إفتر بيها» بين معظم محاكم ولايات الولايات الأميركية
فقد بقي في السباق مع تزايد أسهمه عند كل ضارة.
ودون أدنى شك أن من بين أهم الضارات التي نفعته هي هفوات وزلات لسان خصمه بايدن، لا سيما في المناظرة الأخيرة، التي نفد بموجبها رصيد بايدن من معظم مايمكن أن يعد فرص نجاح يمكن أن تبقيه في دائرة المنافسة.
وبينما بدأت محاولات جادة لثني بايدن عن الاستمرار في المنافسة مع خصم عنيد مثل ترامب ومن قبل أقرب حلفائه في الحزب الديمقراطي، وفي مقدمتهم الرئيس الأسبق باراك أوباما والرئيسة السابقة للكونغرس الأميركي نانسي بيلوسي، فإن ترامب استفاد كثيرا من تلك المناظرة لا لكونه بدا متفوقا على صعيد الحجة والمنطق والكاريزما، وما إلى ذلك من أساليب تعتمد في تحديد أرجحية من يكسب السباق، بل لأن بايدن منحه بطاقة التأهل للانتقال إلى المراحل النهائية من سباق الرئاسة، بعد أداء هو الأسوأ في تاريخ المناظرات بين المتنافسين.
هذه إذن هي الضارات التي نفعت ترامب والتي جاء المثل أو المقولة «رب ضارة نافعة» مصداقا لها، لكن ماذا عن «التايهات» التي بقدر ما كادت تودي به فقد أفادته بحيث منحته نقاطا إضافية في إمكانية هزيمة بايدن والدخول مجددا في البيت الأبيض بعد غياب لأربع سنوات.
التايهات غير المتوقعة هي دائما سلاح ذو حدين.
ويبدو أن ترامب استفاد من الحد الثاني، حين تكفل شاب صغير في العشرين من عمره أن يتكفل ربما نهائيا في فوزه عندما لم يصوب جيدا، بحيث إكتفت الرصاصة بـ «كشط» إذنه مع أنها كانت قاتلة لولا التفاتة ترامب قبل ثوانٍ وتصويبة ليست متقنة بما فيها الكفاية.
كل التداعيات التي تلت نجاته جاءت لصالحه ولمصلحته حتى أنه صدق حين قال إن «الله وحده حماه من موت محقق».
وصدق حين قال «يفترض أن أكون ميتا».
من ناحية أخرى فإن المتغير الذي حصل بعد رصاصة بنسلفانا التي بدا إنها «أخطأت ترامب وأصابت بايدن»، مثلما كتبت في منصة أكس هي طبيعة تعامل بايدن مع الحادث.
وهنا لا بد من التأكيد على أن بايدن تعامل مع الأمر بفروسية.
استنكر الحادث، قطع إجازته، صلى مع زوجته على سلامة خصمه، خاطب الأمة مرتين في كلتيهما تمنى بصدق السلامة لخصمه، اتصل به هاتفيا.
هذا السلوك لايمكن فهمه، إلا أنه سلوك رجل دولة لا يعيبه إن كان بسبب العمر بدأ يفقد أحيانا الذاكرة وتغلب عليه الأغلاط.
صحيح أن من شأن ذلك أن يقلل من أدائه السياسي، وهو مايتطلب منه الاستسلام إلى أحكام العمر، .
لكنه في هذه اأزمة ارتفع كثيرا إلى مستوى المسؤولية وحاز احترام العالم.
بل أستطيع القول أن سلوك بايدن السياسي المسؤول حيال واقعة خصمه رفعت وسوف ترفع كثيرا من أسهمه، وربما في ضوء ذلك قد تتغير قواعد الاشتباك بينهما على صعيد المنافسة.
فقد أصبح بينهما أشبه ما يكون بـ «زاد وملح»، وهو ما يعني أن حدة التنافس بينهما سوف تكون أقل شراسة.