ستيفن ميتز
ترجمة: شيماء ميران
عندما اصبح باراك اوباما قبل عقد من الزمن رئيسا للولايات المتحدة الاميركية وعد بسياسة خارجية اميركية مختلفة، وكان قد انتخب على اساس برنامجه لإنهاء الحرب في كل من العراق وأفغانستان، وإصلاح صورة بلاده عالميا، وإنعاش الدبلوماسية الاميركية وضبطها.
وربما كان يرغب الاميركيون بان تُعدل بلادهم من سياستها العالمية لأسباب تتعلق بالسياسة المحلية اكثر من الاحداث العالمية، لكن النقاش حول كيفية القيام بذلك تحول الى ضغينة وسخرية لعهد اوباما. وكان توجه اميركا بالاتجاه الصحيح حتى اخرج التحزب المفرط كل شيء عن مساره، تاركين الشعب على قناعة بان هناك شيئاً ما خطأ وغير واثق من كيفية اصلاحه. وتركت الولايات المتحدة للمرة الثانية إعادة تقييم دورها العالمي اليوم.
لقد حاولت الولايات المتحدة سابقا البقاء بعيدة عن سياسات القوى العظمى قدر استطاعتها.
وعندما اصبح ذلك مستحيلا، كانت اميركا قوة مترددة على الأقل في البداية، فتجنبت المشاركة بالحرب العالمية الأولى خلال سنواتها المبكرة الدامية، ولم تنضم لعصبة الامم التي كانت تنوي منع حدوث حرب قوى عظمى اخرى، رغم الدور الفعال للرئيس الاسبق وودرو ويلسون بتأسيسها. وقامت اميركا بتسريح قواتها بعد الحرب العالمية الثانية وتولت دور قيادة العالم، فكان واضحا انه ليس بمقدور عصبة الامم ولا القوى العظمى الاخرى حفظ نظام العالم بمفردها.
وفي لحظة ما فقدت اميركا رغبتها في القيادة، لكنها تخلت عن تحفظها التقليدي وطورت من ميولها لتتسيد العالم.
ومع استمرار الحرب الباردة لم تكن القيادة كافية، لهذا سعت اميركا للهيمنة على اجزاء العالم الحيوية لمصالحها. ولكون نتائج الدبلوماسية والقوة الاقتصادية كانت متأخرة وغير مرضية احيانا، نفد صبر الاميركان، واستعاضوا عن ذلك بالقوة العسكرية لتحقيق تلك المصالح.
خيبة الأمل
وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي كان يمكن لأميركا ان تعود الى ستراتيجية اكثر تحفظا، لكن ميولها بالتسيُّد تحولت الى هوس. واعتقد الاميركيون أن قوتهم العسكرية والاقتصادية الواسعة اتاحت لهم فرصة عظيمة لضمان إعادة تشكيل العالم، فسعوا لحل جميع اضطرابات العالم بدلا من مجرد تطوير مصالحهم الوطنية، لكنهم شابهوا إيكاروس (شخصية اسطورية يونانية) بتلك الطموحات.
وبحلول العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين بعد غزو اميركا للعراق وحربها الطويلة في افغانستان، كانت رؤيتها لإعادة تشكيل العالم قد انحسرت لتخيب الآمال، ووجد الاميركيون انه حتى القوة العسكرية الضاربة لها محدودية ويمكن لخصومهم ان يتأقلموا.
إن الحاجة لزيادة الانفاق المحلي على العناية الصحية والبنى التحتية والتعليم جعل من اعباء القيادة العالمية تبدو مرهقة. وأصبح ميل بعض حلفاء اميركا لخفض انفاقهم الدفاعي واعتمادهم على حمايتها صعب التحمل. ثم ازداد قلق الاميركيين لدى محاولة إعادة تشكيل عالم لا يرغب أحد بتغييره. لذا فانه الوقت المناسب لتعديل الستراتيجية الأميركية، وكان أحد التغييرات المهمة والضرورية هو الانتقال الى نمط قيادة اميركية اكثر تحفظا، بحيث تعتمد على شركائها وحلفائها لوضع الاهداف والأولويات اكثر من مجرد توقع تنفيذهم لما هو مطلوب منهم. بعبارة اخرى فان الولايات المتحدة بحاجة للتنحي جانبا أحيانا.
كان التعديل الضروري الثاني هو تقليل الاعتماد الاميركي على القوة العسكرية، وهذا يعكس الاعتراف بان المشاكل الامنية المتعددة عبر العالم لا يمكن ان تحل بمجرد دحر الأعداء، فالقوة العسكرية ضرورية للامان الاميركي لكنها غير كافية. وقد يبدو مألوفا اذا كانت الولايات المتحدة اقل استبدادا واعتمادا على القوة العسكرية، وهو ما يجب ان تكون عليه، وهذا بالضبط ما كان اوباما يحاول فعله خلال فترة رئاسته.
اذن ما الخطأ الذي حدث؟ ولماذا تخلت الإدارة اللاحقة عن مفهوم اوباما عن شكل القيادة العالمي الاكثر تحفظا والأقل عسكرة، واختارت بدلا منه ستراتيجية ارتكزت على فرض املاءات اميركية قاسية على مجموعة الشركاء والحلفاء المتضائلة، وضرب المعارضين المتلاعبين بالقوة العسكرية من غير وضع خطة لنجاح طويل الامد؟. وربما من السابق لأوانه قبول أميركا بدور اكثر تحفظا في العالم. فالسيادة مخدر قوي، والتخلص من السموم يستغرق وقتا.
اعتماد القوة العسكرية
الحنين الى السيادة يمتد عميقا، خصوصا بين السياسيين الاميركان والمحللين. ومن هنا، لا يزال العديد من الاميركيين اصحاب السلطة يعتقدون او على الاقل يأملون بان الهيمنة خلال تسعينيات القرن الماضي يمكن استعادتها. لكن رفض ستراتيجية اوباما كان اقل ارتباطا بإمكانية تطبيقها او ضرورة وجودها من ارتباطه بالسياسيات المحلية. وكان تقوية المعارضة السياسية لأوباما هي أحدى السمات السائدة وغير الملائمة للسياسة الاميركية خلال العشر سنوات الماضية، وأصبحت الشيء الموحد الوحيد لليمين السياسي المتشظي بشكل متزايد.
ورغم معارضة الجمهوريين لصخب السياستين المحلية والخارجية، لكنهم اتفقوا على معارضتهم الثابتة لاوباما. هذه الخصومة قادت بشكل مباشر الى ستراتيجية جديدة في عهد ترامب. فهي لم تُبن على رؤية فعلية للدور الاميركي العالمي او خطة متماسكة لتعزيز مصالحها، وإنما بُنيت على معارضة اي منهاج او اتفاقية او أي سياسة لأوباما، بدءا من اتفاقية باريس للمناخ والشراكة العابرة للمحيط الهادئ الى تطبيع العلاقات مع كوبا والاتفاقية النووية الايرانية.
وينبغي ان ينتهي هذا في مرحلة ما، فمعارضة رئيس سابق ليست طريقا الى المستقبل. وسواء كان سبب فشل اوباما في إضفاء الطابع المؤسساتي لانتقاله الكبير في دور اميركا العالمي هو خطأ شخصي ام خطأ الآخرين، فقد أدرك الرئيس السابق أنه كان ينبغي على بلاده أن تصبح اقل اعتمادا على قوتها العسكرية، وان تكون اكثر تحفظا خارج بلادها رغم تحولها الى القيادة من خلف الكواليس، وكانت هذه الرؤية صحيحة خلال تلك المرحلة من التاريخ.
وما لم يتمكن الاميركيون من فصل هذه الافكار عن اعتقاداتهم الشخصية تجاه اوباما والنظر في مميزاتها، فأنهم سيستمرون بالتساؤل عن سبب استمرار هبوط منهج بلادهم الحالي مع المراحل المظلمة في المستقبل.