جدلٌ دبلوماسي

الصفحة الاخيرة 2024/07/22
...

عبد الهادي مهودر

للسفارات أدوار وواجبات مهمة للغاية، والسفارة بالسفير والوحدة بآمرها كما يقال، وعلى طول تاريخ العراق السياسي منذ نشأة الدولة وحتى اليوم، يُشاع أنَّ للسفارات الأجنبية أدواراً في صناعة الأحداث والانقلابات وأنَّ كلَّ شيء يسير بعلم هذا السفير وتلك السفارة، وهذه الشبهات تأخذ حيزاً كبيراً في الجدل العراقي المتواصل عبر وسائل النشر والإعلام والخيال الشعبي الواسع، وقبل أيام بعث لي صديق افتراضي فديو شائع لسفير يتجول في المدينة القديمة ويسأل الناس عن آرائهم بطريقة المراسل التلفزيوني، وتساءل الصديق عن سبب عدم رواج مثل هذه الفديوات على نطاق واسع، ويعبّر هذا الفديو بنظر البعض عن صورة من صور الاستقرار الأمني في العاصمة بغداد، وهو كذلك فعلاً فالكثير من السفراء الأجانب يتجولون في بغداد ومدن العراق بلا مواكب حماية أو بأفراد حماية وسيارات أقل بكثير من مواكب المسؤولين العراقيين، ويراه البعض الآخر حقاً للسفراء الأجانب بممارسة ما يعرف بالدبلوماسية الشعبيَّة وبناء العلاقات الإيجابيَّة مع المجتمع، وهناك من يذهب إلى المقارنة ما بين حرية السفراء الأجانب في الساحة العراقية، وحرية السفراء العراقيين في الخارج، المحددة باللقاءات الرسميَّة والواقعة تحت الضغط الإعلامي الكبير في حال ظهور السفير العراقي في حفل فني أو نشاط اجتماعي في دولة ما، فلا وظيفته الدبلوماسية تسمح له ولا البيئة السياسية والاعلامية تسامحه على أداء أدوار خارج الأسوار، وهناك من يطالب بسياسة المعاملة بالمثل وأن ينال السفير العراقي حرية الحركة أسوة بالسفراء العاملين في العراق، وليس في هذا الموضوع حساسيَّة لنخشى مناقشته والاقتراب والخوف منه، فنحن نتحدث عن مصلحة البيت العراقي الذي نحبه مثلما يحبون بيوتهم ويعملون من أجلها بكامل وعيهم وطاقتهم وعن دراسة وعلم وتخطيط، فإذا كان هذا المستوى من عمل الدبلوماسيين الأجانب يعد نشاطاً دبلوماسياً ناجحاً، فلماذا لانحتذي به ونستفيد من التجارب الدبلوماسية الناجحة، وبدل أن نلعن الظلام نشعل شمعة تنير طريق السفير العراقي في الخارج وتحرره لينطلق في مدن وعواصم العالم بالشكل نفسه الذي يمارسه أصحاب السعادة داخل الساحة العراقية، ليصرّح كما يصرّحون عن الأمن والكهرباء وفرص الاستثمار والفقر والبطالة في دولهم، ويتمشّى في الأسواق ويدخل المطاعم وبيوت الناس ويخرج والابتسامة لا تفارق محيّاه وينشر نشاطه الاجتماعي اليومي بصفحته الشخصية ويغرّد في الوقت الذي يعجبه التغريد، وإذا توفّرت لسفرائنا في الدول العربية والأجنبية الحرية نفسها أسوة بأقرانهم الأجانب، فهذه نعمة تستحق الحمد والشكر، وتوجد مساحة عمل واسعة وفراغ إعلامي ودبلوماسي خارجي لم يملأ، يكشف عن جهلٍ كبير بطبيعة الحياة في العراق ويظهر في فديوات الناشطين العرب والأجانب الذين يزورون بغداد للمرة الأولى، حتى أصبحنا لا نرى الجمال إلا في عيونهم وكاميراتهم وكأننا غير مصدقين بأنها صور حيَّة من داخل عاصمتنا ومدننا وشوارعنا وملاعبنا وليست من كوكب آخر، لكن المفارقة المثيرة في الموضوع أن بلدان الحرية والقبضة الحديدية، على حدٍ سواء، لا تمنح سفراءنا الحريّة التي نمنحها ويتمتع بها أقرانهم الناشطون في بلاد الرافدين، ولذلك تبقى سعادة السفير العراقي غير مكتملة من دون هذه الحرية، كما أن سعادتنا تبقى منقوصة هي الأخرى بحرية السفراء، وحريتهم بعض من الكرم العراقي المعروف، وأن المصيبات بعض الكرم.