د.حيدر علي الأسدي
يمثل التواصل الإعلامي إحدى أهم اللغات في إيصال أي قضيَّة تسعى للانتشار وبيان مفاصلها، وكانت القضيَّة الحسينيَّة منذ لحظة انبثاقها الأولى بعد مأساة الطف في كربلاء ترتكز في إيصال صوتها على الجانب التوثيقي الإعلامي لما جرى، لذا في جميع الخطابات التي تعاطت مع هذه القضيَّة كانوا يطلقون على السيدة زينب بأنها الصوت الإعلامي للثورة الحسينيَّة ولواقعة الطف
فكل قضيَّة تنطوي على جانب اتصالٍ إعلامي مهمٍ يحاول أنْ يوصلَ أدقَّ التفاصيل عن تلك القضيَّة وعن عمق ما جرى لا سيما إنْ كانت تلك القضيَّة تتصلُ بمحاور إنسانيَّة ودينيَّة وفكريَّة فيها الكثير من الجوانب الروحيَّة والتاريخيَّة والالتباسات والجدليات بوصفها قضيَّة حساسة ومحوريَّة في التاريخ العربي والإسلامي، ولعظم تأثر الكثير بهذه القضيَّة وأبعادها فقد تمَّ التعاطي معها على امتداد الحقب والسنوات بصورٍ مختلفة، وكان للآداب والفنون نصيبٌ في هذا التناول الذي لا يخرج عن أطره الفكريَّة والعاطفيَّة، فقد تفاعل العديد من المفكرين والفلاسفة والأدباء مع هذه القضيَّة وكتبوا عنها وعن شخوصها وعظم المأساة التي جرت هناك في كربلاء، بل البعض راح يصفها بأنها قضيَّة فلسفيَّة إنسانيَّة لا يمكن تكرارها بعظم المشهد والمجريات وما آلت إليه الأمور بعد كل تلك
السنوات.
فعلى المستوى الفلسفي الغربي فقد مرت القضيَّة على العديد من المفكرين والكتاب والذين دونوا تعاطيهم وتفاعلهم عبر مقولاتٍ وآراءٍ اشتهرت في ما بعد بمواقفهم إزاء شخوص تلك الواقعة، من هؤلاء: (الكاتب الأسكتلندي توماس كارلايل، المستشرق الإنكليزي إدوارد براون، المؤرخة الإنكليزيَّة فريا ستارك، المؤرخ الأميركي واشنطن إيروينغ، الزعيم الهندي غاندي، الكاتب ارنست همنغواي، برنارد شو، ستالين، جيفارا، اوغيرا الروسي، تولستوي، فيكتور هيجو، جورج لوكاتش، الشاعر الانكليزي شيلي، فضلاً عن أنطوان بارا).
أما في مجال الشعر فقد كتب العديد من الشعراء المعروفين قصائد عن الإمام الحسين وأهل بيته الكرام تصور الواقعة المؤلمة وطريقة تفاعلهم مع تلك الواقعة من زوايا فنيَّة وجماليَّة وفكريَّة مختلفة ومنهم بالتأكيد (الشريف الرضي، الكميت، دعبل الخزاعي، حيدر الحلي، الجواهري، السياب، عبدالرزاق عبدالواحد، السيد مصطفى جمال الدين، نزار قباني، وغيرهم)، فبعض الشعراء وثق الحالة التاريخيَّة وعمق مأساتها وبعضهم استدعى الحسين كشخصيَّة رمزيَّة ثائرة في التاريخ العربي والإسلامي، وتقام سنوياً مهرجانات تحت مسميات مهرجانات (الشعر الحسيني) وفي كل المدن العراقيَّة وبعض المدن الإسلاميَّة والعربيَّة لا سيما في ما يتعلق بالتراث والثقافة الشعبيَّة للشعر الشعبي بوصفه من الأنواع التي تؤثر تماماً في المتلقي من ناحية الإحساس والمشاعر مع هذه القضيَّة التي يرتكز فيها جانبٌ كبيرٌ على العاطفة وإحياء الذكرى، لذا نفذ الشعر العربي الى المراثي الحسينيَّة والقصائد أكثر من الشعر الفصيح بخاصة تلك القصائد التي تقرأ كمراثٍ في المجالس الحسينيَّة.
وعلى مستوى الفن التشكيلي فقد حفلت المعارض التشكيليَّة بلوحاتٍ تحاكي الثورة الحسينيَّة وتنقل صوراً ولمحاتٍ، سواء مباشرة أو بطريقة رمزيَّة عن ملحمة عاشوراء، ليس عند الفنان العربي والمسلم وحسب، فهذه اللوحة النادرة لمقام الرأس الشريف للإمام الحسين في القاهرة قد رسمها الفنان الفرنسي المستشرق (جان ليون جيروم) في القرن التاسع عشر في حقبة الغزو الفرنسي لمصر بقيادة نابليون بونابرت، وتحتفظ بعض المتاحف العالميَّة بلوحاتٍ عن القضيَّة الحسينيَّة، فقد حصل المتحف البريطاني على لوحة من الكتّان بعنوان (من هو الحسين) وهي للفنان التشكيلي تشارلز حسين زندرودي.
وفي ولاية نيويورك الأميركيَّة يحتفظُ متحف (بروكلن) بلوحة عن واقعة الطف وهي عبارة عن بانوراما وأٌطلق عليها اسم (ذا بتل أوف كربلاء).
كما أنَّ هناك معارض تشكيليَّة سنويَّة تقام في أغلب المدن العراقيَّة ومنها (معرض الطريق الى كربلاء) الذي تنظمه كليَّة الفنون الجميلة في جامعة البصرة وهو معرضٌ سنويٌّ يخصصُ لمحاكاة القضيَّة الحسينيَّة انطلق بعد 2003 وحتى الآن، فضلاً عن معارض للصور الفوتوغرافيَّة تقام سنوياً في المسير الى كربلاء خلال زيارة الأربعين.
وفي الجانب التواصلي الأهم - وأعني المسرح - فقد برز المسرح الحسيني بشقيه (مسرح التشابيه وهو محاكاة واقعيَّة تاريخيَّة للحادثة الحسينيَّة) ومسرح التعزية الحسيني القائم على الفكر، ويقام لهذا المسرح مهرجانات سنويَّة ومنها مهرجان (ينابيع الشهادة المسرحي) الذي وصل لغاية العام الحالي لنسخته العاشرة، فضلاً عن مهرجان (الحسيني الصغير لمسرح الطفل)، فضلاً عن صدور مجلة في العراق تحت عنوان (المسرح الحسيني)، علاوة على وجود العديد من العروض التي تقدم سنوياً تحت عنوان (المسرح الحسيني)، وكذلك كتبَ عن ذلك الأمر العديد من رسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه ومنها (القيم الروحانيَّة لشخصيَّة المرأة في نصوص المسرح الحسيني) ورسالة الماجستير الموسومة (الاشكال ما قبل المسرحيَّة ومرجعياتها الانثروبولوجيَّة (التعزيَّة أنموذجاً))، ورسالة (خصوصيَّة الأداء التمثيلي في عروض التعازي الحسينيَّة في العراق) التي تحولت الى كتابٍ قبل أيام، وغيرها من البحوث والدراسات المتواصلة، كما لا ننسى دور عبدالرحمن الشرقاوي في مسرحيتي (الحسين ثائرًا والحسين شهيدًا) وعبدالرزاق عبدالواحد في مسرحيَّة (الحر الرياحي) ومسرحيَّة (الحسين يموت مرتين) للكاتب المغربي (عبد الكريم برشيد) ومسرحيَّة محمد علي الخفاجي (ثانية يجيء الحسين).
وكان للسينما والدراما نصيبٌ من ذلك، وقدمت عدة أعمال تتعاطى مع القضيَّة الحسينيَّة وإنْ غلب عليها الطابع التاريخي.
إنَّ العديد من الفنانين والأدباء وثقوا القضيَّة الحسينيَّة بتمظهراتها المختلفة بالمقالات والبحوث والدراسات والقصص والسيناريوهات، أي أصبح ثمة أدبٌ يتعلق بالقضيَّة الحسينيَّة وصار لهذا النوع من الأدب حضورٌ ومهرجاناتٌ وجوائز ومسابقاتٌ ومؤلفاتٌ ونوافذ إبداعيَّة متنوعة للتنافس، لا سيما خلال شهري محرم وصفر من كل عامٍ، ما يعطي القيمة الحقيقيَّة التي أرستها الثورة الحسينيَّة آنذاك وحتى اللحظة.