المواطنة المغيّبة

العراق 2019/06/14
...

حسين العادلي
* غيّبت الأنظمة السياسية المواطنة كأساس لإدارة الدولة، وهذا هو جذر فشلها. فقبل 2003م (خاصة حكم البعث/صدام) كان لدينا مواطنة منقوصة وتمييزية خلقت تراتيبة للمواطنة العراقية تقوم على أساس قومي طائفي حزبي (بعثي) سواء بالتمتع بحقوق المواطنة أم بنمط الواجبات الملقاة على عاتق المواطنين، فأنتجت الاستبداد والاستعباد والاستبعاد. بعد 2003م، احتكمت العملية السياسية إلى مبدأ المكوّن (العرقطائفي) كوحدة بناء للنظام السياسي، وأعطت للتنوع بعداً سيادياً، فأنتجت تعدد الولاءات وتضخم الهويات المجتمعية والمناطقية الفرعية على حساب الهوية الوطنية الكلّية، وأسّست لنظام المكوّنات على حساب نظام المواطنة.
* المواطنة هي أس الدولة وقاعدة تشكيل أمّتها الوطنية، وهي رابطة عضوية قانونية سياسية تامّة الحقوق والواجبات. وتعرّف -الموسوعات- المواطنة بـ: (عضوية كاملة تنشأ من علاقة بين فرد ودولة كما يُحدّدها قانون تلك الدولة، وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات كدفع الضرائب والدفاع عن البلد، وبما تمنحه من حقوق كحق التصويت وحق تولي المناصب العامة في الدولة). عليه تكون المواطنة من أشد أنماط عضوية الفرد اكتمالا في الدولة الحديثة. وتُكتسب المواطنة (كعضوية) في ظل الأنظمة القانونية على أساس الوّلادة في الدولة أو الانحدار من أبوين مواطنين أو التجنّس.
* خرجت المواطنة تدريجياً عن نطاقها التقليدي إلى حقوق وواجبات متبادلة تفاعلية (قانونية سياسية اقتصادية ثقافية) بين الدولة ورعاياها (المواطنية). ولا جوهر للمواطنية في ظل الأنظمة الشمولية أو الدكتاتورية أو الثيوقراطية أو الملكيّة غير الدستورية، فجوهر المواطنية تشكّله الدولة الحديثة وما تقوم عليه من سيادة القانون والحقوق المدنية والمشاركة السياسية للمواطنين في ظل دولة المؤسسات الدستورية. وللتمتع بكامل المواطنية لا بد من حكم رشيد يستند إلى إرادة المواطنين ومشاركتهم بالشأن العام وفاعليات الدولة، بما فيه المراقبة والمساءلة والمحاسبة.
* المواطنة رابطة وصفة محايدة بذاتها لا تقبل التفاوت والتفاضل، فليس بين المواطنين من هو مواطن أكثر من الآخر، وجميع أشكال الدول (القومية الطائفية الثيوقراطية الوراثية) هي دول ما قبل دولة المواطنة كونها تستبدل رابطة المواطنة بالروابط المجتمعية الفرعية، وكونها تؤسَس على احتكار الشرعية والسلطة، لذا فهي دول تمييز لا مساواة، ودول واجبات لا حقوق متكافئة وأصيلة، فتقود بالتبع إلى الاستبعاد والإقصاء والاستئثار في تنظيم العلائق والاستحقاقات بين المواطنين والدولة، وفي إدارة الدولة. 
* الانتماء إلى قوم أو طائفة أو قبيلة مجاز وشرعي، وهو جزء من الهويات المجتمعية داخل أمّة الدولة. لكن القومية والطائفية والقبلية محرّمة، كونها تؤدّلج الانتماء وتعطيه بعداً سياسياً وتطرحه نظرية للحكم، وبتحكيمها يتم خلق التضاد المجتمعي فتتشتت أمّة الدولة، كونها روابط فرعية لا تصلح أن تكون روابط عامة تصّدق على جميع رعايا الدولة المتنوعة عرقياً طائفياً دينياً. إنّ اعتماد أي رابطة غير المواطنة – بما فيها رابطة المكوّن العرقطائفي - كأساس لتشكيل وإدارة الدولة سيخلق الأرضية الموضوعية للصراع المجتمعي السياسي. 
* دونما إعادة اعتبار بنيوي للمواطنة بإدارة الدولة فستُصدّع الدولة الانتماءات والولاءات العرقطائفية المناطقية، ودونما سلطة إلزام واحتكام لقيم واعتبارات الدولة فلا يمكن تصحيح مسار الدولة لجعل المواطنة الأساس بعلاقة الدولة بمواطنيها. لقد هد الدولة تغييب استحقاقات المواطنة فتشظت المواطنية لتتهدد الوطنية العراقية بالتبع.