الرؤية الاقتصاديَّة دالَّة الإصلاح

اقتصادية 2024/07/23
...

ياسر المتولي



إذا كان هدف أيِّ بلد تحقيق نمو اقتصادي وبما يقود إلى تحقيق رفاهية المجتمع فلا بد من توفر رؤية اقتصادية سليمة، من الذي يحددها؟، قطعاً القائمون على القرار الاقتصادي بالاستناد إلى استشارات خبراء الاقتصاد في البلد المعني.

أغلب الدول الناشئة (الصاعدة) أو التي تسعى إلى الصعود تعتمد في سعيها للنمو على إجراء إصلاحات اقتصادية في القطاعات التي تلمس فيها هشاشة أو ضعفاً.

ولكي تكون خطوات الإصلاح الاقتصادية رصينة ومتينة لابد من توفر رؤية اقتصادية لتحقيق الإصلاحات المستهدفة.

وبتعريف مبسّط للرؤية الاقتصادية فهي عبارة عن خطة اقتصادية ستراتيجية ترسم الخطوات المطلوبة وفق الإمكانات المتاحة واعتماد الأولوية في اختيار القطاعات ذات المردود الاقتصادي الذي يصنع قيمة مضافة وعوائد تدعم وتعزز ميزانية البلد، وما دمنا في مراجعة مستمرة لتجارب الدول بمختلف المجالات الاقتصادية، إذ كنا قد تعرّضنا في مقالين سابقين لتجربتي تركيا ومصر في مواجهة التحديات التي تواجه اقتصادياتهما وهي ذات التحديات التي تواجهها أغلب الدول الناشئة والهدف كما ذكرت سلفاً الاستفادة من هذه التجارب.

ففي حال نجاح أي تجربة فمن الطبيعي أنها تفيدنا في معالجة التحديات التي تواجه الاقتصاد العراقي وإذا لم تحقق النجاح فأعتقد أنَّ الفائدة أعمق وأشمل وتفيدنا في تخطِّي وتجنُّب أسباب الفشل ومسبباته.

وفي موضوعنا اليوم الذي نتناول فيه الرؤية الاقتصادية وهو مختلف في العنوان لكنه يصبّ في المضمون، وأقرب تجربة في محيطنا العربي هي تجربة السعودية، فرؤية المملكة 20-30 تشير بوضح إلى المسار السليم لتحقيق الإصلاحات في القطاعات المختلفة.

فهذه الرؤية صُمّمت على أساس تنويع الموارد (مصادر الدخل) في محاولة للتخلص من الاعتماد الكلي على الموارد النفطية، ليس باستخراجها وتصديرها كمصدر أساسي للدخل إنما لتحويلها إلى مواد أولية للعديد من الصناعات المهمة وخلق فرص عمل وبناء قاعدة متينة تدعم توجهات المستقبل.

كما ركزت رؤية المملكة على التوجه للاقتصاد الأخضر لمقاومة التغير المناخي والتلوث البيئي.

ولعلّ أبرز ما رسمته الرؤية التركيز على برامج تقنيات المعلومات والثورة المعرفية والتركيز على دعم وتشجيع الشباب- في مستقبل الوظائف- على التركيز على تقنية المعلومات والاتصالات وتقنية الذكاء الصناعي وتطوير التعليم لتخريج مهارات ومهنيين ومبتكرين.

هذه الرؤية بدأت نتائجها تظهر بخطوات منسقة وتحقيق طفرات نوعية في مختلف المجالات إلى جانب إيلاء السياحة أهمية كبيرة من خلال استثمار الفعاليات المختلفة ومنها الرياضة. هذا التوجه وأقصد بناء الرؤية هو الأساس في تحقيق الإصلاحات الاقتصادية مع أنَّ الذي تطرّقنا إليه جزء يسير من مضامينها لعدم سعة مساحة المقال.

وقد لفتت انتباهي تغريدة للخبير الاقتصادي العالمي طلال أبو غزالة في أحد أحاديثه، مفادها (ما لا يمكن قياسه لا يمكن إدارته) فإنَّ أيَّ إصلاح لأي قطاع بحاجة إلى التخطيط المسبق من خلال دراسته ومتطلباته وآليات تنفيذه عند ذلك يمكن إدارته بسهولة، وتعني حينها ترجمة الرؤية إلى عمل.

هذه التجربة النموذج تتيح لنا أن ندعو إلى وضع رؤية مستقبلية للاقتصاد العراقي أولاً ومن ثم نباشر إصلاح القطاعات حسب الأولويات والأهمية بأشواط تنفيذية، ما يعني أنَّ الرؤية الاقتصادية هي دالة الإصلاح حقاً عندما تقترن بالتنفيذ، وخلاف ذلك تبقى الرؤية الخالية من خطط العمل أو التنفيذ مجرد أحلام ليس إلّا.