الإمام عون (ع).. (المعزِّب) الذي ناصر خاله في معركة الطف

ريبورتاج 2024/07/24
...

 عامر جليل إبراهيم
 تصوير: اعلام الأمانة العامة للمزارات الشيعية

يعد مزار الإمام عون (ع) من المزارات المهمة في كربلاء المقدسة، لأنه يقع على أحد أهم المحاور الرئيسة لتوافد ملايين الزائرين إلى المدينة، ويمثل محطة استراحة للوافدين من محافظات العراق. فهو مرقد أحد فروع الشجرة العلوية المحمدية وغصونها الممتدة في البلاد الإسلامية وأبرز شهداء معركة الطف الخالدة.

(الصباح) زارت هذا المقام المُكرّم بهدف التعريف بالمعالم السياحية الدينية والآثارية في العراق حيث التقت السيد (عبد الله عمران علي) الأمين الخاص لمزار الإمام عون (ع) الذي حدثنا عن المزار قائلاً: إن "صاحب المزار هو عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب، جده جعفر بن أبي طالب المعروف بالطيار الذي قاد المهاجرين إلى الحبشة، وأمه زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب (ع)، شارك في واقعة (الطف) مع خاله الإمام الحسين (ع)، واستشهد فيها". مضيفاً أن "مخطوطة السيد مهدي القزويني المسماة (فلك النجاة في أحكام الهداة) تشير إلى أن عون بن عبد الله قد دفن خارج الحائر الحسيني في هذا الموقع، وهذه المخطوطة موجودة في مكتبة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، ولدينا نسخة من هذه المخطوطة".

شهيد
 ويؤكد السيد الأمين الخاص: أن "التاريخ الوحيد المؤكد عن عون بن عبد الله هو تاريخ استشهاده في واقعة الطف، ولم تحدد الكتب تاريخ الولادة بالضبط، لكن استشهاده كان في 3 محرم قبل استشهاد الإمام الحسين (ع)، سنة 61هـ / 680م.
ويروي السيد الأمين الخاص أن "المؤرخ عبد الرزاق الحسني في كتابه (تاريخ العراق قديماً وحديثاً) يذكر أن آخر من التحق بالإمام الحسين (ع) هو حبيب بن مظاهر الأسدي، الذي كان يعرف أحوال الكوفة، وعندما وجد قلة الناصرين للإمام الحسين (ع) قال له: إني أعرف جماعة من بني أسد يسكنون على مشارف الكوفة أو بالقرب من المخيم فدعني أذهب لكي استنصرهم لينصروك فقال له الإمام: اذهب، وأرسل معه عون بن عبد الله بن جعفر الطيار ليكون حجة لبني أسد، فتوجها إليهم وصعد حبيب بن مظاهر الأسدي خطيباً فالتف حوله 90 فارساً، وعندما التحقوا بالمخيم الحسيني وصل الخبر لعبيد الله بن زياد فأرسل إحدى الكتائب لملاقاة الجماعة الذين التحقوا بمعسكر الإمام الحسين ودارت المعركة واستشهد عون بن عبد الله ومن معه وجرح حبيب بن مظاهر الأسدي الذي عاد إلى المخيم الحسيني وروى للإمام الحسين الحادثة.
(الخدم والكوّام)
ويمضي الأمين الخاص بالقول: لم تحدد المصادر التاريخية مراحل بناء المرقد، ولكن كثيراً ما نسمع أن الذين بنوا المرقد هم من (الخدم والكوّام)، وقد كان قبر عون مكاناً صغيراً، وغرفة من الطين، وكان يوجد على القبر صندوق خشبي، ولم تكن هناك طرق لمرور الزائرين، إذ كانت هذه المنطقة شبه صحراوية، لكن مع بداية إعمار المزار أخذت المنطقة بالتوسع، وكانت أولى حملات الإعمار على يد أحد شيوخ المسعود الذي رمّم المرقد الشريف وبنى قبة طينية صغيرة قبل العام 1900م، بعد ذلك طور المرقد وشُيدت فيه بعض الغرف.
انضم المزار إلى دائرة الأوقاف في كربلاء سنة 1968م، التي بدأت بترميم وبناء محال في الواجهة الأمامية، وفي سنة 1972م أغلقت هذه المحال بسبب كثرة الزائرين، وعندما فُتح الطريق الحديث، جرى بناء محال أخرى في الجهة الشرقية، فضلاً عن بعض المرافق الخدمية والطارمتين الشرقية والغربية سنة 2002م كذلك صبت أرضية الصحن بالخرسانة، بعد ذلك تطور البناء ولكن بدون تخطيط هندسي وحسب الحاجة، فكان المزار وأبواب الدخول والخروج غير نظامية.
في مطلع العام 2008م انضم المزار إلى الأمانة العامة للمزارات الشيعية، وأعددنا خطة بالاشتراك معهم، فكانت البداية باستملاك الأرض رسمياً، بعدها شرعنا في إعداد التصاميم والخرائط الهندسية الخاصة بهذا الصرح العمراني.
كانت التصاميم فريدة من نوعها، لأن المرقد كان يسمى "المعزِّب" لزوار الإمام الحسين (ع)، إذ كان يخدم الزائرين قبل الوصول إلى المرقد الشريف، لذلك كانت الفكرة بوابة أو جوهرة معمارية لدخول الزائرين، والكل يعلم أن أهالي بغداد والمحافظات الشمالية عندما يدخلون إلى كربلاء ويصلون إلى قبة الإمام عون يكونون مطمئنين أنهم قد دخلوا إلى المدينة.

العمارة الإسلاميَّة
 يقول المهندس دريد قاسم العبادي رئيس اللجنة التنفيذية لإعمار المزار: اعتمدنا في الإنهاءات المعمارية للحرم الشريف على الطراز الإسلامي الحديث مع مراعاة ضوابط التراث والعمارة الإسلامية في العراق.
ويضيف: أُنجزت مرحلة الهيكل الخرساني ومرحلة الطابوق بتفاصيلها المعمارية كافة من أقواس وشفتات تبريد وبوابات رئيسة للحرم، فضلاً عن ذلك وصلنا إلى نسب إنجاز متقدمة من الخدمات التكميلية للهندسة الثانية، وهي أعمال الدكتات وقنوات الهواء بنسبة 100% إضافة إلى مد وتسليك الأعمال الكهربائية ومنظومات الإنذار والكاميرات.
ويكمل السيد الأمين الخاص حديث المهندس قاسم العبادي قائلاً: بعد حملة الإعمار التي شهدها المزار الشريف لإكمال الانهاءات وبجهود الأمانة الخاصة للمزار تبرع أحد المؤمنين بالأبواب والتي عددها (6) أبواب منها باب المراد وتقع في الواجهة الأمامية من جهة الشمال وهي بقياس (9×4) أمتار وثلاثة أبواب جانبية، باب القبلة وباب الرأس والباب الزينبية وقياسها (9×4) أمتار  وهناك بابان للطوارئ من الجهة الخلفية (باتجاه القبلة) وقياسهما (4 ×2)أمتار، صنعت هذه الأبواب في ورشة متخصصة في باكستان من خشب موهيكان المزين بزخارف نباتية وهندسية.
قبل الزيارة الأربعينية أقيمت مراسيم افتتاح الشباك الجديد التي شهدت حضوراً دينياً وشعبياً كبيراً بعد الانتهاء من تصنيعه في إحدى الورش المتخصصة وعلى أيدي أمهر الحرفيين بجمهورية باكستان الاسلامية، وتمت تهيئة المكان لنصب الشباك حيث قامت الكوادر الهندسية بتثبيت وعمل قاعدة الشباك من الكورنيش المعمولة من الرخام الأبيض بارتفاع (36سم) بالإضافة إلى إكساء الأرضية بمادة الرخام الأبيض والأحمر حيث باشرت الورشة الباكستانية المختصة بتصنيع الشباك والتي هي المسؤولة عن تنصيب الشباك المصنوع من الذهب والفضة من الداخل والخارج وبتصميم حرفيّ ورائع اعتلى أركانه الأربعة تصميم على شكل جناحين من الذهب في إشارة إلى جدّ صاحب المزار جعفر الطيار بن أبي طالب (عليهما السلام) الذي أبدل الله تعالى يديه المقطوعتين في معركة مؤتة ضد الكفار بجناحين يطير بهما في الجنة.

إضافات مميّزة
ويكمل السيد الأمين الخاص: نظراً لقرب المزار من الشارع العام فليس له صحن يحيط بالحرم الشريف، بل يكون الصحن إلى الخلف من الجهة الشرقية ومن الجهة الغربية وسوف يكون على مساحة 14,000 متر مربع على طابقين، وستكون في جهة القبلة مئذنة الساعة بارتفاع 32م.
أما السرداب فقد استحدث في التصاميم لأن مرقد عون منخفض عن الشارع العام بنحو متر ونصف المتر، وقد رفع البناء الحديث متراً و60سم لذلك أصبح الارتفاع مترين و10سم أو أكثر، وأصبح القبر الشريف في منطقة منخفضة، لذلك لم يكن باستطاعتنا، إكراماً للقبر الشريف ولقدسية المكان، أن نقوم بدفن هذا المكان كما لم نسمح بدخول الآليات، عليه قررنا أن يكون هناك سرداب وهو تحت الشباك الشريف مباشرة.
ويضيف السيد الأمين الخاص: أكملنا المرحلة الأولى من أعمال التزجيج  وبدأنا المرحلة الثانية للمرآة العاكسة (العين كار) بكمية (3700 م2)  ذات زخارف ونقوش فنيّة وهندسية إسلامية لتكون إضافةً مميّزة إلى حملة الإعمار والتطوير التي يشهدها الحرم الشريف، حيث باتت ملامحها تتضح للعيان ولكلّ من تطأ قدميه الحرم الشريف، ولدقّة العمل في هذا المشروع فإنه يحتاج إلى وقتٍ كي يبرز بشكله الكامل والأنيق بما يليق مع مكانة صاحب المرقد.

المناسبات والزيارات
وعن المناسبات والنشاطات يحدثنا الشيخ محمد خليل ابراهيم مسؤول مركز العلوم القرآنية قائلاً: أعداد الزائرين والوافدين إلى المرقد ترتبط بزيارة الإمام الحسين (ع) والزيارة الأربعينية المليونية شاهد على ذلك، وفي هذه الزيارة نفتح المزار عشرة أيام لاستقبال الزائرين، وهناك الزيارة الخاصة  في 13صفر، وهذه الزيارة سنوية خاصة بمرقد عون بن عبد الله، إذ يأتي كثير من الزائرين من المناطق المجاورة سيراً على الأقدام، وزواره من جميع دول العالم، فضلاً عن الزوار العراقيين. أما عن النشاطات فهي تتنوع وتمتد على مدار السنة وبضمنها مركز علوم القرآن.