روسيا تتقدم لكسب مزيد من الأرض الأوكرانية
• فرانشيسكا إيبيل
وسيرهي كورولتشوك
• ترجمة: أنيس الصفار
شنت القوات الروسية سلسلة من الهجمات على شكل قوس في منطقة الدونباس شرق أوكرانيا شاقة طريقها إلى الأمام في حرارة صيف لاهب محاولة توسيع رقعة المكاسب الثابتة التي تحرزها موسكو والاستيلاء على مدينة بوكروفسك التي تعد تقاطعاً رئيسياً مهماً لحركة النقل. يأخذ هذا الهجوم مجراه في حين تتواصل معاناة أوكرانيا بسبب نقص الجنود في وقت تفرض فيه أجواء الانتخابات الأميركية الصاخبة تكهنات جديدة بأن كييف ربما سترغم قريباً على التفاوض والتخلي عن الأرض.
فبعد أن ساعد تدفق الأسلحة والأموال الأميركية أوكرانيا على كسر حدة الغزو، الذي تجدد خلال شهر أيار الماضي لمنطقة خاركيف الواقعة في الشمال الشرقي، وحال دون حدوث اختراق رئيسي وحطم آمال موسكو بمحاصرة ثاني أكبر مدينة أوكرانية، عاد القادة الروس إلى تسليط اهتمامهم على منطقة دونتسك التي قد تصبح الهدف المناطقي الأكبر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
إعادة غزو خاركيف ربما لم تحقق أكثر من مكاسب محدودة، بيد أنها أدت مع ذلك إلى اجتذاب الموارد الأوكرانية. يقول "أولكساندر"، 30 عاماً، وهو قائد فوج تابع للواء 47 الذي يخوض المعارك قرب أوشيريتاين، أن القوات الأوكرانية تعاني من مصاعب وأن الغنيمة التي يسعى إليها بوتين تدنو على ما يبدو من متناول روسيا رويداً رويداً.
يقول أولكساندر، الذي اكتفى بتعريف نفسه بالاسم الأول فقط توافقاً مع البروتوكول العسكري الأوكراني: "إنها ستراتيجية ذكيّة .. فأنت تحاول جعل عدوك يركز قوّته في اتجاه معين ثم تعمل على تشتيت تركيزه باتجاه آخر".
يمضي أولكساندر قائلاً: "أول هدف لهم هو تدميرنا، اما الثاني فهو حشرنا في موضع حرج لكي يمتلكوا قوة أكبر للضغط علينا في محادثات السلام تمكنهم من الحصول على المزيد. إنهم يوشكون أن يستولوا على منطقة دونتسك".
معارك عنيفة
تضغط قوات بوتين الآن متقدمة على امتداد قوس مكون من ثلاث نقاط رئيسية هي: تشازيف يار، الواقعة إلى الغرب مباشرة من مدينة باخموت التي استولت عليها روسيا في ربيع 2023، ومدينة توريتسك الصناعية الصغيرة، وفي المناطق الريفية غرب أوشريتاين، وهي قرية تقع على أرض ستراتيجية مرتفعة تم الاستيلاء عليها في شهر أيار عندما تقدمت القوات الروسية صوب شمال غرب أفدييفكا التي احتلتها في شهر شباط.
رغم المعارك العنيفة الدائرة في أماكن أخرى، من بينها كوبيانسك في الشمال الشرقي ومواقع أخرى على امتداد الجبهة الجنوبية، فإن الهجوم على دونتسك يمثل تحولاً مثيراً للاهتمام في تكتيكات القادة الروس الذين تعلموا من أخطاء الماضي كما يبدو وباتوا الآن يحققون مكاسب متوالية لصالح الكرملين، كما يهددون مدينة كوستيانتينيفكا الأوكرانية التي تربض على طريق سريع له أهمية ستراتيجية.
في الأسبوع الماضي أورد معهد دراسات الحرب، وهو مركز للأبحاث مقره واشنطن، تقريراً قال فيه إن أوكرانيا قد تمكنت من إيقاف هجوم آلي واسع للقوات الروسية قرب كوستيانتينيفكا نجمت عنه خسائر ملحوظة في المعدات والآليات الروسية. وفي يوم الجمعة ورد في تقرير لهيئة الأركان العامة الأوكرانية أن الوضع الأشد سخونة لا يزال هناك، بالقرب من مدينة بوكروفسك.
تقول "كارولينا هيرد" المحللة في المعهد المذكور: "هذا التقدم الجديد في منطقة دونتسك مثير جداً للاهتمام لأنه يشير إلى أن تغيراً أوسع قد طرأ على التخطيط العملياتي لدى الروس. ففي الماضي كان أي تقدم ذي بال يمنى بالفشل جرَّاء تخبطاتهم التكتيكية، وقد عانوا ما عانوه في السنوات القليلة الماضية في محاولتهم التوصل إلى ستراتيجيات مناسبة. لكن قادة العمليات الروس، وبعد أن كانوا يدفعون بالرجال إلى محاولات مطوّلة مصحوبة بإصابات مرتفعة، قد تعلموا الآن كيفية القيام بجهد هجومي تعزيزي متزامن ومتبادل مع مواصلة الضغط على الموارد الأوكرانية".
قوات مستنزفة
تشعر القوات الأوكرانية المستنزفة الآن بوطأة الضغط، التي زادتها تفاقماً حرارة الصيف المرهقة، حيث ارتفعت درجات الحرارة في وقت سابق من الشهر الحالي إلى أكثر من 40 درجة مئوية في بعض مناطق الجبهة.
يشير القادة والجنود الأوكرانيون الذين تمت مقابلتهم إلى الإرهاق وتدني الموارد، بما في ذلك النقص الحاد في أعداد الجنود. ولا يزال منتظراً من قانون التعبئة الجديد الذي اعتمده البرلمان الأوكراني أن يوفر التعزيزات الملحة المطلوبة، حيث لا يزال المجندون الجدد يخضعون للتدريب بينما فر العديد من الرجال الذين شملتهم الدعوة للخدمة العسكرية إلى خارج البلاد أو لزموا منازلهم ولم يعودوا يخرجون منها تجنباً للتجنيد.
يصف رقيب في الجيش الأوكراني عمره 56 عاماً يشار اليه باسم النداء "بارت" الوضع بإنه حرج، ويضيف أن هناك فوضى جدية تعم خطوط الجبهات الأمامية، ثم أنحى باللوم على فشل قرارات القيادة، بما في ذلك حالات الخلط بين مواضع القوات الأوكرانية والروسية.
ميخائيل، وعمره 46 عاماً، قائد بطارية هاون تخوض غمار المعركة في كرازنوغوريفكا، ويشار إليه باسم النداء "برين". يقول ميخائيل إن عمليات الاستطلاع تظهر أن روسيا قد رفعت مستوى استعداداتها مؤخراً في المناطق المحيطة بأوشيريتاين وخصصت لذلك موارد ملحوظة، بما فيها المزيد من الجنود والدبابات. وفي الأسبوع الماضي نجحت القوات الروسية في التقدم لمسافة 6,5 كيلومتراً تقريباً غرب أوشيريتاين مرغمة لواء المشاة الأوكراني الذي يمسك بخط المواجهة عند قرية بروهرس على التقهقر. اللواء الآلي الأوكراني رقم 47 أرغم هو الآخر على الانسحاب بصورة فوضوية جرَّاء ما يعانيه من نقص في الجنود، والآن تدور واحدة من أشرس معارك هذا الصيف حول مدينة توريتسك الصناعية حيث تحرز روسيا مكاسب تكيتيكية مهمة.
يقول القادة والمحللون العسكريون إن الغرض من هذه المعركة، وكذلك من الهجمات الروسية التي تشنَّ على مدينة نيو - يورك القريبة، هو الضغط على وحدات المشاة الأوكرانية المنهكة بهدف إحداث اختراق عبرها والاندفاع صوب مدينة كوستيانتينيفكا.
ستراتيجية روسية
يقول الجنود الأوكرانيون إن القوات الروسية قرب مدينة توريتسك تستعمل على ما يبدو الستراتيجية نفسها التي استخدمتها للاستيلاء على أفدييفكا في شهر شباط الماضي بعد أشهر من القتال الشديد. هناك أطبق الروس على الأوكرانيين من ثلاث جهات مع إرهاقهم في الوقت نفسه بالقاء القنابل الانزلاقية عليهم بلا هوادة من الأعلى. بالإضافة إلى القصف المستمر وهجمات الطائرات المسيرة تفعل الحرارة القاسية فعلها في استنزاف الجنود المرابطين في الخنادق في غابات أوكرانيا والحقول الشاسعة. كما أن السماء الزرقاء الصافية تعني أن أولئك الجنود يصبحون أكثر انكشافاً لطائرات الاستكشاف والمسيرات الهجومية.
من ناحية أخرى يتحرك قسم من القوات الروسية غرباً وشمالاً عبر مدينة كوراخوف. وإذا ما استولت هذه القوات على توريتسك وبوكروفسك وكوستيانتينيفكا فإن منطقة دونتسك ستقع كلها تحت التهديد.
يشير عديد من القادة الأوكرانيين إلى تسارع وتيرة الحرب باستخدام الطائرات المسيرة على اعتبارها أحد التحديات الرئيسية في ساحة المعركة، حيث تلجأ روسيا إلى رفع قدراتها بشكل كبير في ميدان التشويش الإلكتروني لإبطال المكاسب السابقة التي تمكنت أوكرانيا من تحقيقها في السابق من خلال استخدام طائرات مسيرة بـ"منظور الشخص الأول".
يقول ميخائيل: "الشيء الذي شهد تغيراً هائلاً هو تكتيكاتهم في استخدام الطائرات المسيرة وأساليب الحرب الإلكترونية. لقد اعتدنا أن نكون أصحاب اليد العليا في ذلك، وكنا أكثر كفاءة منهم، بيد أن الحال الآن ليست كذلك".
يعمل سيرهي، وعمره 29 عاماً، قائداً لوحدة الطائرات المسيرة التي تنشط قرب بلدة نيو- يورك ويشار إليه باسم النداء "شيلبي". يقول سيرهي إن أوكرانيا تعمل هي الأخرى على إعادة هندسة طائراتها المسيرة لتنفيذ مهام إزالة الألغام إلى جانب شنِّ هجمات من نوع جديد. على سبيل المثال يقول إن المهندسين قد تمكنوا من تثبيت ألغام مضادة للدبابات على متن طائرات مسيرة ثقيلة من طراز كازان.
صناديق سوداء
كثير من المركبات في الدونباس الآن تركب لها هوائيات، ويشير ذلك إلى أنها تحمل معدات خاصة للتشويش على الطائرات المسيرة الأخرى. كذلك يستخدم الجنود صناديق سوداء صغيرة تعرف باسم "سكر" وهي أجهزة رادار بإمكانها تمييز الطائرات المسيرة التي تحوم في السماء والتحذير منها. صناديق "سكر" هذه لم تكن موجودة في أوكرانيا قبل عام، أما الآن فهي شائعة.
يشير الجنود الأوكرانيون أيضاً إلى تزايد استخدام القنابل الطائرة في المناطق المحيطة بتشازيف يار ونيو - يورك، لاسيما القنابل الانزلاقية التي يعود عهدها إلى الحقبة السوفييتية. يقولون إن هذه القنابل تحدث أضراراً جسيمة بالإضافة إلى تأثيرها في الروح المعنوية. بعض هذه القنابل يصل وزنها إلى نحو 3000 كيلوغرام وهي قادرة على تدمير مواضع المشاة والمباني ملحقة بها آثاراً كارثية.
يقول يوجين، 41 عاماً ويعمل طياراً للطائرات المسيرة في نيو - يورك، إن القادة الروس، في الوقت الذي يلجؤون فيه إلى التكتيكات التي تطلق عليها تسمية "هجمات اللحم" (وذلك عندما ترسل موجات من المجندين الجدد الذين يكونون غير مكتملي الاستعداد غالباً لمهاجمة هدف معين)، يعملون أيضاً على تطبيق سياسة "الأرض المحروقة" بتكتيكات جديدة لمحو بلدات بأكملها.
يقول سيرهي، قائد الطائرات المسيرة: "يضرب الروس نيو - يورك بالقنابل من الجو ويقصفونها بالمدفعية لمحو قواطع كاملة من المدينة كي يتمكنوا من إدخال جنودهم إليها".
يصف باشا، 34 عاماً، وهو قائد طائرة مسيرة يقاتل في صفوف اللواء 105، الوضع في نيو - يورك بأنه "صعب للغاية".
يمضي باشا مستطرداً: "هم يحاولون استخدام نيو- يورك لتطويق توريتسك، وأعتقد أن لديهم فرصة حقيقية الآن لتطويقها، فالمسألة مسألة موارد وتوقيت لا أكثر". ويضيف أن القنابل الانزلاقية عظيمة الشدة وهي قادرة على شلِّ وحدات كاملة من المشاة عن طريق إصابتهم بارتجاجات في الدماغ.
تعتقد هيرد، من معهد دراسات الحرب، أن نجاح روسيا أمر مستبعد رغم المكاسب التي حققتها مؤخراً، وتضيف: "لم تثبت روسيا أن لديها القدرة الفعلية على تحقيق تقدم ميكانيكي مؤثر والاستيلاء على مساحات كبيرة من الأرض، لذا من غير المرجح أن تتمكن من الاستيلاء على كامل منطقة الدونباس بالقوة".
رغم ذلك، كما تقول، فإن معركة الاستنزاف الساحق البطيء أكثر جدوى لموسكو عندما تتدهور الروح المعنوية لدى الأوكرانيين وتحوم الشكوك بشأن استمرار الدعم الغربي مستقبلاً.
• صحيفة "واشنطن بوست"
أخبار اليوم
كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني تشيد بالتحول الإيجابي الذي تشهده شبكة الإعلام
2024/11/25 الثانية والثالثة